محاربة وباء الإحباط

TT

على الـ«يوتيوب فيديو» فاقت شعبيته أفلام مشاهير الفنانين العرب ونجوم الإنترنت. خمس دقائق كانت كافية لتوقظ كثيرين ممن يعانون أسوأ أنواع الإعاقات، مرض الاستسلام للفشل! ولا أدري إن كان هناك فيديو واقعي مثله حصد مشاهدة هائلة من الجمهور، أم لا. قصته قصة شاب يرويها بنفسه، عن كفاحه ضد الإعاقة الشديدة التي حرمته من كل أطرافه ومع هذا تغلب عليها، وهو خريج جامعي وصحافي وإنسان يحلم أحلاما كبيرة.

«عمار» اسم الفيلم، أيضا هو اسم بطل الفيلم الواقعي الذي أنتجه بدر الحمود وحرك مشاعر ملايين الناس. حبهم له ليس تعاطفا مع عمار بوقس المعاق، بل جاء إعجابا بعمار بوقس الناجح رغم كل شيء، أو لنقل رغم لا شيء. قصة تبعث على الافتخار به لأنه انتصر على كل التحديات الكثيرة وكسب معركة حياته، بعد صراع ليس بالهين، وتغلب على ظروفه، وعلى ظروف مجتمعه.

قصته، التي أيقظت الخاملين واليائسين وأوقدت كذلك حماس الطموحين، صادفت دورة الألعاب الأولمبية للمعاقين التي كانت من فعاليات أولمبياد لندن، وحظيت بكثافة جماهيرية كبيرة، ونجاح لم يقل عن الأولمبياد الذي لا يدخله إلا صفوة الرياضيين في العالم وأكثرهم كمالا، وتنافس فيها مكفوفو البصر، ومبتورو الأطراف، وتنافس في سباقاتها مصابون بالشلل الدماغي ومعاقون ذهنيا، بعضهم يسير على عجلات وبعضهم على عصي حديدية وبعضهم بالاتكاء على مرشدين، جميعهم تنافسوا في سباقات المضمار، والألعاب الجماعية، والفروسية، والسباحة، وغيرها.

الرسالة واضحة للجميع.. الإعاقة الحقيقية هي في نقص الإرادة، وما هذا الأولمبياد إلا للاحتفال بالناجحين. وها هو سباق المائة متر للمعاقين الذين يسابقون الريح، وأحدهم يركض بسيقان معدنية حتى خط النهاية، ويكسب الميدالية الذهبية مثيرا الدهشة والإعجاب.

مشكلة المجتمع ليست في إشراك المصابين بالإعاقة، بل إن أكثر هؤلاء هم أكثر الناس تحديا وإصرارا. المشكلة في المصابين بالعجز والاتكالية عند كاملي الأطراف بيننا، الباحثين لأنفسهم عن أعذار للتقاعس، وحب لوم الآخرين. هؤلاء التبريريون واللائمون هم أكثر حاجة لمثال «عمار» حتى يعوا أن الحياة ملعبهم، والنجاح صناعتهم وبأيديهم. ولن يصل الشباب بروح الاتكالية، وانتظار الفرص تدق على الأبواب، في حين يفترض أنهم من يدقون بإلحاح ويسعون للنجاح.

إذا كان عمار فعلها وأصر على صعود درجات السلم رغم كل شيء، أو لا شيء، وأنهى دراسته وحصل على شهادته، فإن الجميع يستطيع فعلها وصعود السلم مثله. بمثل عمار وغيره، وهناك العشرات شاركوا وكسبوا ميداليات ذهبية في تنافسية أولمبياد لندن للمعاقين.. بمثلهم يمكن أن نكافح أسوأ أمراض مجتمعنا اليوم وهو الإحباط، وأعراضه: الشعور بالعجز، والشعور بالفشل، والشعور بالتهميش. وهذه الحالة المجتمعية الصعبة تجعلنا نطلب ممن نسميهم خطأ بأصحاب الإعاقات أن يتقدموا، أن يقودوا المحبطين إلى خط البداية.

[email protected]