نظام انتهازي لا هو ضمانة للمسيحيين ولا حتى للطائفة العلوية!

TT

ليست هي المرة الأولى، منذ أن نقل بندقيته من كتف إلى كتف آخر وتحالف مع النظام السوري وبالتالي مع إيران وحزب الله وأصبح «مقاوما وممانعا»!!، التي يطلق فيها الجنرال ميشال عون مثل هذا التصريح الذي أطلقه قبل أيام وحذّر فيه من أن إسقاط نظام بشار الأسد قد يقضي على لبنان وعلى المسيحيين فيه «لأن الأنظمة التي ستأتي يرجع تفكيرها إلى ما قبل القرن الرابع عشر»!! أي الى بداية إقامة الدولة الإسلامية وعهد الخلفاء الراشدين.

إن ميشال عون مثله مثل ميشال سماحة، دأب على إطلاق مثل هذه التصريحات التي استهدف فيها الأكثرية السنية في المنطقة العربية بعد أن اختار التحالف مع نظام بشار الأسد، الذي هو نظام طائفي وليس نظام الطائفة، ومع إيران وبالتالي مع حزب الله.

وحقيقة أن موقف ميشال عون مع المسلمين السنة سببه الأساسي أنه شعر، وهو لا يزال يشعر، أن هؤلاء كانوا في ثمانينات القرن الماضي قد حالوا بينه وبين الوصول إلى قصر بعبدا ورئاسة الجمهورية وأنه لولاهم لكان قد احتل هذا الموقع بعد انتهاء ولاية الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل وأنه كان بإمكانه أن يضمن التجديد لنفسه أكثر من مرة.

وهنا فإن الإنصاف يقتضي الاعتراف بأن النظام السوري، الذي يحتل رئيسه بشار الأسد موقع الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي وموقع الأمين القطري لهذا الحزب الذي من المفترض أنه حزب قومي وحزب علماني يرفض الطوائف والطائفية وبخاصة الطائفية السياسية، قد حقق نجاحا، ما لبث أن اعتراه الفتور بعد اتضاح الكثير من الحقائق، في إشعار مسيحيي سوريا بل وكل الأقليات الدينية والطائفية والإثنية أيضا مثل الدروز والعلويين والإسماعيليين وبعض الأكراد بأن وجودهم من وجوده وأن انهياره سيعرضهم لما تعرضت له الأقليات القبلية والمذهبية في رواندا وفي الكثير من الدول الأفريقية.

لا شك في أن هذه المناورة التي لجأ إليها نظام بشار الأسد قد حققت وبخاصة في البدايات نجاحا لا يمكن إنكاره أدى إلى استنكاف المسيحيين السوريين، الذين يقدر عددهم بنحو 750 ألفا، بأكثريتهم عن الالتحاق بثورة شعبهم وإلى تأخر الدروز، الذين يبلغ عددهم نحو ربع مليون نسمة معظمهم في منطقة السويداء في حوران وبعضهم في عدد من قرى هضبة الجولان السورية، عن المشاركة في هذه الثورة وذلك على الرغم من مناشدات الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بأن عليهم أن يبتعدوا عن هذا النظام الذي لا يهمه سوى الاستمرار في الحكم الذي كان بدأه في عام 1970 واستمر حتى الآن.

ولعل ما لا يمكن إنكاره ونحن بصدد الحديث عن هذه المسألة الهامة جدّا أن تصرفات بعض الذين حسبوا أنفسهم على الثورة السورية، وبخاصة المجموعات والتنظيمات الهامشية الصغيرة قد ساعدت النظام فيما أراده وسعى إليه من خلال إطلاق تصريحات التحريض الطائفي وتأليب الناس سوريين وغير سوريين أولا على الطائفة العلوية ثم على الأقليات الدينية الأخرى وبخاصة المسيحيين الذين ما كانوا شعروا في أي يوم من الأيام أنهم أقلية مستهدفة، إن في سوريا وإن في لبنان وأيضا إن في الأردن وفلسطين، وأنهم ليسوا شركاء أساسيين في هذه الأوطان التي هي أوطانهم وعلى قدم المساواة مع أشقائهم المسلمين.

وحقيقة أنه إذا كانت هناك مخاوف قد ساورت البطريرك الماروني بشارة الراعي تجاه احتمال أن تصبح بعض الأحزاب والتنظيمات والجماعات الإسلامية التي توصف بأنها متطرفة بديلا لنظام بشار الأسد ولبعض أنظمة دول المنطقة فإن هناك مخاوف أكثر من هذه المخاوف لدى شيخ الأزهر أحمد الطيب ولدى الكثير من كبار رجال الدين المسلمين سنة وشيعة وكذلك أيضا فإن مثل هذه المخاوف تصل إلى حد «الرعب» لدى كل الذين يتطلعون إلى أن يكون البديل - ليس في سوريا وحدها وإنما في كل دول المنطقة - أنظمة مدنية وديمقراطية وعلمانية وليبرالية.. وأن الدين لله والوطن للجميع وهذا هو الحال حتى في مصر التي انتقل فيها الحكم من حسني مبارك وحزبه إلى الإخوان المسلمين الذين تواجه مساعي ومحاولات بعضهم «أخونة» هذا البلد الذي من غير الممكن «أخونته» سياسيا بالرفض والمقاومة لأنه بلد تعددي ويرفض أهله الشمولية.

لا يمكن أن يكون بديل نظام بشار الأسد، الذي اخترع لعبة الطوائف ليس حرصا على المسيحيين ولا على العلويين ولا على غيرهم وإنما حماية لنفسه وتعزيزا لسيطرته، إلا نظاما تعدديا وديمقراطيا ومدنيا وأيضا علمانيا؛ فالشعب السوري بعد كل هذه المعاناة الطويلة، منذ بداية ستينات القرن الماضي وقبل ذلك، لا يمكن أن يقبل بنظام شمولي وبحكم حزب واحد ولا يمكن إلا أن يخرج من هذه الدائرة الشيطانية نهائيا لتكون دولته الجديدة دولة ديمقراطية ولكل أهلها وليكون الوصول فيها إلى سدة الحكم على أساس الكفاءة وليس على أساس الولاء العشائري ولا الانتماء المذهبي ولا الطائفية المقيتة.

وفي هذا المجال فإنه لا بد من التذكير بأن الإخوان المسلمين في سوريا كانوا قد أصدروا وثيقة في غاية الأهمية أكدوا فيها على أن حق المواطنة في دولة المستقبل وفي النظام البديل هو لكل مواطن وأن من حق المسيحي أن يكون رئيسا للجمهورية وكذلك المرأة وأن الاحتكام في كل شيء وبالنسبة إلى أي شيء سيكون صناديق الاقتراع وأن الشمولية مرفوضة وأنه لا عودة إطلاقا لتجربة الحزب الواحد والقائد الأوحد «مبعوث العناية الإلهية».

وهكذا وعودة إلى البداية، فإنه لا بد من إسماع ميشال عون ما كان سمعه كثيرا وهو أن ضمانة المسيحيين في هذا الشرق، الذي هو شرقهم كما هو شرق الآخرين وليس شرق السنة ولا الشيعة فقط، هو «التعايش» والابتعاد عن التقوقع وهو عدم التطلع لا إلى الغرب الكاثوليكي ولا إلى الشرق الأرثوذوكسي. فالدين لله والوطن للجميع سواء أكان هذا الوطن سوريا أم لبنان أم الأردن أم مصر أم فلسطين أم العراق. ثم أنه لا بد من تذكير هذا الرجل، الذي مثله مثل ميشال سماحة لم يجد ما يحتمي به إلا الالتحاق بما كان يعتبره عدوا لدودا ومحتلا لبلده، أن نصارى الشرق العربي كله كانوا وما زالوا حملة لواء الدعوة القومية العربية وأنهم كانوا وما زالوا ينظرون إلى الإسلام على أساس أنه بيئتهم الثقافية.

عندما جاء هذا النظام في منتصف سبعينات القرن الماضي بقمعه واستبداده إلى لبنان فإن أيّا من طوائف هذا البلد ومكوناته الاجتماعية لم تسلم من شره ومن تجاوزاته وقمعه؛ فمدافعه قصفت الأشرفية وجونية كما قصفت صيدا وعالية وبيروت الغربية، وكذلك فإن الاغتيالات التي نفذتها أجهزته استهدفت رينيه معوض وجبران تويني وسامي الجميل وبشير الجميِّل أيضا كما استهدفت الشيخ حسن خالد والشيخ صبحي الصالح ورفيق الحريري وكما استهدفت موسى شعيب وكمال جنبلاط ورياض طه، وكذلك فإن اعتقالاته قد شملت كل الملل والنِّحل من دون أي تمييز بين أي مذهب ومذهب آخر وبين أي طائفة وطائفة أخرى.