سوريا وأعذار أوباما الخمسة لعدم التحرك

TT

في الوقت الذي يستمر فيه بشار الأسد في حصد أرواح السوريين بمعدل 100 شخص في اليوم الواحد، يبدو أن تردد وانحرافات ومماطلات إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في هذا الموضوع تصبح أكثر سخرية على نحو متزايد.

يحاول أوباما ومناصروه شرح، بل وتبرير، سبب إخفاقه في وضع سياسة تتمتع بالمصداقية حول سوريا عن طريق ذكر عدد من «المشاكل» التي تبدو ظاهريا خارج نطاق سيطرة الرئيس الأميركي.

تتمثل أولى هذه «المشاكل»، كما يزعمون، في أن المعارضة السورية مقسمة.

هل هذا الأمر حقيقي؟ أنا لا أعتقد ذلك.

يجب أن لا نخلط بين الوحدة والإجماع، فمما لا شك فيه أن ملايين الأشخاص الذين يخاطرون بحياتهم من أجل محاربة هذا الطاغية المتعطش للدماء لا يفكرون جميعا بنفس الطريقة حول كافة الموضوعات، كما أنهم أيضا ليسوا جميعا أعضاء في حزب واحد.

ففي مجتمع يئن تحت وطأة حكم حزب واحد منذ ستة عقود، لا يكون التوحد الظاهري في كثير من الأحيان إلا مجرد واجهة، وبمجرد انهيار تلك الواجهة، سوف يظهر أن المجتمع مقسم إلى عدد لا نهائي من الأقسام. ففي أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، ظهر ما لا يقل عن 120 حزبا سياسيا من مختلف الاتجاهات من تحت أنقاض الشيوعية. وفي العراق، ظهر ما يزيد عن 200 حزب سياسي في مرحلة ما بعد صدام حسين.

وعلى أي حال، فإن ما يتمناه المرء لسوريا هو نظام تعددي يكون للناس فيه القدرة على التفكير والاعتقاد والتصرف بشكل مختلف في إطار حر ومقبول في ظل حكم القانون، فسوريا عبارة عن خليط كبير من المجتمعات العرقية والدينية التي ينبغي أن يكون لها صوت سواء في المعارضة أو في سوريا المستقبل.

وبعد أن ذكرنا كل هذه الأمور، فالآن أصبحنا ندرك أن المعارضة السورية متحدة بشأن القضايا الرئيسية. ففي صوت واحد، تطالب كافة الأحزاب والجماعات المشاركة في الثورة السورية بتنحي بشار الأسد عن الحكم، مما يمهد الطريق لتشكيل حكومة انتقالية في البلاد، فضلا عن أن الجميع يصرون على ضرورة استبدال نظام الأسد بنظام آخر تعددي، يتم فيه اختيار الحكومات عن طريق انتخابات حرة ونزيهة.

وفي سياق أكثر رسمية، قامت المعارضة السورية بإنشاء أجهزة موحدة من خلال «الجيش الوطني السوري» و«المجلس الوطني السوري»، والذي تم الاعتراف به رسميا من قبل 30 دولة على أنه الممثل الشرعي للشعب السوري.

لذا، بات واضحا الآن أن الادعاء القائل بأن الولايات المتحدة لا ينبغي عليها القيام بأي شيء لوقف حمام الدم في سوريا بسبب انقسام المعارضة السورية غير صحيح بشكل كبير.

أما «المشكلة» الثانية التي ذكرها أوباما فكانت أن السوريين لم ينجحوا حتى الآن في إقامة «مناطق محررة»، كما كان الحال في ليبيا خلال الثورة التي أطاحت بطاغية عربي آخر. يقول المتحدث الرسمي باسم أوباما: «أين بنغازي السورية».

تعد مقارنة الأوضاع السورية بالليبية غير صحيحة على الإطلاق، فليبيا دولة شاسعة المساحة وسكانها يعيشون في مناطق متفرقة، ومن دون الغطاء الجوي الذي وفره حلف شمال الأطلنطي (الناتو)، كان من غير المرجح أن تستمر مدينة بنغازي في صمودها أمام القوات الجوية والفرق المدرعة التابعة للعقيد معمر القذافي.

ورغم كل ذلك، تمكنت القوات المناهضة للأسد من إقامة «مناطق محررة» بالفعل في خمسة أقاليم على الأقل. تعتبر هذه الجيوب من الأراضي موطنا لنحو خمسة ملايين مواطن سوري، فضلا عن 250 ألف سوري فروا إلى الدول المجاورة. ربما يكون الأمر الأكثر أهمية من ذلك هو تمكن قوات المعارضة السورية من إقامة «مدن مصغرة كثيرة على شاكلة بنغازي» في قلب العاصمة السورية دمشق وفي مدينة حلب، أكبر المدن السورية من حيث عدد السكان.

تتمثل «المشكلة» الثالثة، التي سردها المدافعون عن أوباما في عدم قدرة الولايات المتحدة على التحرك في هذه القضية، في وجود الفيتو الروسي في مجلس الأمن الدولي.

ولكي نكون منصفين، ينبغي أخذ وجهات النظر الروسية في هذه القضية وغيرها من القضايا الدولية ذات الصلة على محمل الجد، ولكن لا ينبغي علينا أن ننسى أن موضوع الفيتو يخص مجلس الأمن فحسب، ولا يجب أن يحول دون تنفيذ مجموعة من التدابير التي وافقت عليها الجمعية العامة والأمين العام ومختلف الهيئات التابعة للأمم المتحدة. تقول وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، التي يجب أن يعترف المرء بأنها أكثر جدية إزاء المأساة الدائرة في سوريا، إن الولايات المتحدة ستواصل السعي للحصول على الدعم الروسي من خلال مجلس الأمن. أكدت كلينتون في الأسبوع الماضي أنه في حال استمرار الخلاف مع روسيا، سوف تقوم الولايات المتحدة بدعم المعارضة السورية، وهو ما يعني من الناحية العملية أن الفيتو الروسي أمر مهم خارج مجلس الأمن أيضا، فضلا عن أنه يغطي جوانب السياسة الخارجية الأميركية.

أما «المشكلة» الرابعة التي زعمها المدافعون عن أوباما فهي أن حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين والإقليميين لم يقوموا بما يتوجب عليهم القيام به بعد. يقول أوباما إنه يريد «القيادة من الخلف»، أيا كان معنى هذه العبارة، ويصر على ضرورة أن تلعب الولايات المتحدة دورا داعما في الخطط التي يقوم الحلفاء بوضعها وتنفيذها.

وإذا ما نحينا جانبا الهراء الخاص بمقولة «القيادة من الخلف»، فإن ادعاء أن الحلفاء الأوروبيين والإقليميين كانوا يغطون في سبات عميق هو غير صحيح على الإطلاق. فقد غامرت تركيا كثيرا بدعم الثورة السورية، وهي الآن تدفع الثمن غاليا، بعد أن أصبحت هدفا للهجمات الإرهابية التي ترعاها طهران ودمشق، بينما قامت المملكة العربية السعودية وقطر وغيرهما من البلدان الخليجية باستضافة قوات المعارضة السورية وتقديم الدعم المادي لها. وبالنسبة للأردن والعراق ولبنان فعليهم التعامل مع الأعداد المتزايدة من اللاجئين السوريين في بلدانهم. أما الرئيس المصري الجديد الدكتور محمد مرسي، فقد صدع بصوت الثورة السورية في قلب العاصمة الإيرانية طهران خلال قمة دول عدم الانحياز التي عقدت في أواخر الشهر الماضي. ومن جانبهم، كان لدول الاتحاد الأوروبي، وبخاصة فرنسا وبريطانيا العظمى، دور السبق في هذا الأمر عن طريق فرض عقوبات قوية ضد نظام الأسد ودعم الثورة السورية بمجموعة واسعة من التدابير.

وأخيرا، يقول المدافعون عن أوباما إن «المشكلة» الأخرى تكمن في الخوف من أن يؤدي سقوط الأسد إلى صعود «الإسلاميين المتشددين».

ظلت هذه الكذبة القديمة تستخدم على مدار عقود طويلة، فقد استخدمها كثير من الطغاة العرب في تبرير تشبثهم لفترات طويلة في السلطة. وحتى القذافي كان يقوم بتسويق نفسه في الغرب على أنه «الحاجز الذي يحول دون وصول الإسلاميين للسلطة». يزعم بعض «الخبراء» الغربيين أن العرب لا ينبغي أن يحصلوا على الحرية، لأنهم إذا حصلوا عليها سيقومون مباشرة باختيار «المجاهدين» الإسلاميين وإعلان الجهاد على العالم الخارجي.

الحقيقة أنه أينما يكون لدينا انتخابات تعددية نظيفة بصورة معقولة في العالم الإسلامي، من إندونيسيا إلى المغرب، فإن البعبع الإسلامي الذي أطلقه «الخبراء» الغربيون قد أثبت فشله في اجتذاب أكثر من ربع عدد الناخبين. وعلى أي حال، ينبغي ترك السوريين ليختاروا بأنفسهم الأشخاص الذين يريدون، وليس من يفضله الأجانب.

ومع قيام روسيا بالدور المحوري في التحالف الرامي لإنقاذ الأسد، حتى وإن كان ذلك على حساب قتل أعداد كبيرة من السوريين، تحتاج واشنطن إلى المضي قدما للأمام لتكون بمثابة الثقل الموازي لموسكو. يوجد هناك بالفعل تحالف من الأطراف الراغبة في حماية سوريا من طاغية مختل عقليا، ولكنه لا يزال في حاجة إلى من يقوده. وسواء شئنا أم أبينا، لا تزال الولايات المتحدة القوة الوحيدة القادرة على لعب هذا الدور، وأوباما ليس لديه أي أعذار في التنصل من هذه المسؤولية.