المتشددون في مصر وليبيا يتحايلون للوصول إلى السلطة

TT

إن ما يحدث في القاهرة وبنغازي يبدو حالة انتهازية سياسية - لا، ليس من قبل ميت رومني، على الرغم من أن بعضا من هذا قد صدر منه يوم الأربعاء الماضي - بل من المتطرفين السلفيين الإسلاميين الذين لم يسعدهم ما حققته الأحزاب الإسلامية والعلمانية الأكثر اعتدالا في مصر وليبيا من نجاح في بناء دعم سياسي لها. ونحن ما زلنا فيما أحب أن أسميه «ضباب الثورة» في كلا البلدين، حيث يصعب أن نعرف على وجه اليقين ماذا يحدث ومن المستفيد، لذا فإن ما أقوله يحتاج إلى استيضاح. ولكن بناء على الأحاديث التي أجريتها مع مصادر كانت موجودة في الشوارع يوم الثلاثاء الماضي وسط مظاهرات القاهرة وكانت تتابع الأحداث في ليبيا عن كثب، فإنه من الممكن اختراق حجب الضباب قليلا وتقديم بعض التحليلات المبدئية.

أولا، الوضع في القاهرة: لقد كشفت الرايات المكتوبة بالعربية التي رفعها المتظاهرون المتجهون نحو السفارة الأميركية عن هويتهم وأنهم أعضاء في حزب النور وحزب الأصالة، وهما أكبر جماعتين سلفيتين كانتا تنافسان في الانتخابات المصرية. وهؤلاء السلفيون، الذين يعبر اسمهم عن احترام «السلف الصالح» من زمن النبي محمد، هم أكثر محافظة وأقل براغماتية من جماعة الإخوان المسلمين التي تحكم مصر الآن.

وقد أخبرني محلل كان موجودا وسط تلك الحشود يوم الثلاثاء الماضي أنه يرى أن المتظاهرين السلفيين يستغلون ذريعة صدور فيلم أميركي يزعمون أنه معادٍ للإسلام من أجل بعث رسالتين: الرسالة الأولى هي إظهار تيار العداء لأميركا، الذي قويت شوكته في مصر اليوم، أما الرسالة الثانية والأكثر إثارة للاهتمام فهي إعلان التحدي من جانب السلفيين لمنافسيهم في حكومة الإخوان المسلمين التي يقودها الرئيس محمد مرسي.

وكما هو الحال في الغالب مع الثورات، فإن الاضطرابات التي تشهدها القاهرة تبدو بصورة جزئية حالة متشددين يرغبون في إضعاف حزب حاكم أكثر اعتدالا. وقد زاد من تهديد المتظاهرين السلفيين مجموعة من المخربين الميالين إلى العنف، الذين كثيرا ما يوصفون بأنهم مشجعو كرة قدم لكنهم يتحولون بصورة متزايدة إلى فوضويين مثيرين للشغب.

وهناك عملية مماثلة من التحايل تجري وقائعها في ليبيا عقب الثورة، وقد أدت هذه العملية يوم الثلاثاء الماضي إلى مأساة مقتل السفير كريستوفر ستيفنز و3 أميركيين آخرين. وفي البداية بدا أن هجوم السلفيين على القنصلية الأميركية في بنغازي هو هجوم «مقلد» على غرار الهجوم الذي وقع في القاهرة، غير أن المسؤولين الأميركيين قالوا إنه ربما يكون مخططا من قبل متطرفين على صلة بتنظيم القاعدة، حيث كانوا معززين بميليشيات إسلامية مسلحة تسليحا جيدا، وكان غضبهم هم أيضا مزيجا من العداء المتأصل لأميركا (الذي من المحزن أنه يكون دائما ورقة لعب يتم الرهان عليها في المنطقة) وإظهار التحدي لرئيس الوزراء عبد الرحيم الكيب والأحزاب العلمانية التي تمثل العمود الفقري للحكومة الليبية الجديدة.

فهل أميركا لها مصلحة في الاقتتال الداخلي الجاري في هذين البلدين اللذين ما زالا يهتزان بفعل الثورات العربية؟ بالطبع لها مصلحة، وخاصة عندما تكون السفارات الأميركية أهدافا للمتظاهرين، وعندما يلقى الدبلوماسيون الأميركيون حتفهم في تبادل إطلاق النار. إلا أن هذا لا يتعلق حقا بأميركا، بل بفصائل تتقاتل على السلطة في ظل موقف سياسي مائع.

وللأسف، فإن الاستيلاء على السفارة الأميركية في طهران عام 1979 يعد مثالا مناسبا، حيث وقع ذلك العمل على يد مجموعة من «الطلاب» الإيرانيين المتطرفين الذين لم يسعدهم أن حكومة ما بعد الثورة بقيادة آية الله الخميني لم تثبت أنها متشددة بما يكفي، وقد انتزعوا الثورة في قبضتهم عندما استولوا على السفارة. والدرس المستفاد من تلك الكارثة هو أن السلطات الأمنية المحلية يجب أن تعيد النظام والانضباط سريعا، وإذا لم تستطع أو لم تفعل، فإن الأميركيين يجب أن يبتعدوا عن طريق الأذى.

ومن المثير للقلق أيضا الصلة الموجودة بين السلفيين (الذين تظهر ملصقاتهم بصورة تبعث على القلق في الأحياء القاهرية القريبة من حي مصر الجديدة حيث يسكن أفراد الجيش) والجناح «التكفيري» الأكثر ميلا للعنف، الذي يؤمن أنه يجوز قتل المسلمين المرتدين وله صلات مع تنظيم القاعدة، فالتكفيريون يكرهون جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة، إذا كان في ذلك أي عزاء.

وهذا التوازن السياسي الهش في مصر وليبيا يجعل من الخطاب الأبله لحملة رومني المرشح الرئاسي الجمهوري خطابا يرثى له إلى حد بعيد، حيث إن تعليقاته تجعل هذه الأزمة «متعلقة بالأميركيين» أكثر مما تحتاج.

فلنعد إلى الحافز الرئيسي لهذه الأحداث، وهو نجاح الحكومتين غير المتطرفتين بدرجة مقبولة (ولن أقول «المعتدلتين») في مصر وليبيا في تعزيز سلطتيهما، وغضب السلفيين الأكثر تشددا من هذا النجاح. على سبيل المثال، فقد وفق مرسي لتوه في الحصول على تعهدات من السعودية وقطر بتقديم مساعدات مالية بالمليارات، حيث يراهن عرب الخليج على أن يتمكن مرسي خلال العام المقبل من إعادة الاستقرار إلى مصر وتحريك عجلة الاقتصاد من جديد. وعلى الرغم من أحداث الثلاثاء الدامية، فإن الولايات المتحدة ينبغي أن تراهن على نفس الرهان.

* خدمة «واشنطن بوست»