منظمة الفيتو

TT

أنشئت الأمم المتحدة لأهداف أخلاقية على أيدي قوى غير أخلاقية تزدهر بصناعة السلاح ونشر الحروب واستغلال الضعفاء، ومع ذلك كان العالم بوجود المنظمة أفضل منه من دونها، اكتفى الأشرار أحيانا بخوض الحروب في ساحتها الدبلوماسية، وأحيانا لجأ إليها الضعفاء، فسمع العالم أصواتهم، ولو أنه لم يصغ لما يقولون، وتفرعت عنها منظمات كثيرة، أحسنت العمل برغم التقصير.

لم تقم الأمم المتحدة لتلغي في البشر غريزة التدمير وطبيعة الشر، لكنها نظمت طرق الصراع بين المتقاتلين، وصارت مرجعا للخلافات ولو بمحدوديات واضحة، وجعلت أجزاء كثيرة من الحروب حروبا باردة في قاعاتها وأروقتها بدل الدماء والغبار، لكن مشكلة الأمم المتحدة الكبرى أنها تخاف أن تتطور لكي تجاري العصر الذي صارت فيه، لم تزل الجمعية العمومية صوتا بلا صدى، خوفا من فوضى تعدد الأصوات، لا يزال مجلس الأمن مكونا من العالم القديم، أو المؤسس، مع أن هيلاري كلينتون جاءت إلى إندونيسيا لتقول: إن أميركا غير قادرة على أي حل من دون آسيا.

هذا هو العالم الجديد الذي تتجاهله واشنطن بعلانية، وموسكو بخبث، وبكين ببلادة، لا أحد يريد توسيع دائرة الدول الكبرى في مجلس الأمن، لأن الهند، مثلا، قد تتخذ سياسات مستقلة عن أميركا وروسيا والصين معا، وقد تشكل البرازيل مع الهند وإندونيسيا كتلة دولية تصغر حجم الدول الكبرى التقليدية.

وما لم يحدث تغيير جوهري في بنية الأمم المتحدة، وخصوصا مجلس الأمن، سوف يظل هذا مؤسسة قائمة على أنانيات ولا أخلاقيات دول الفيتو الأربع، استخدمته بريطانيا في عدوان السويس، واستخدمته الولايات المتحدة لتغطية أبشع سياسات واعتداءات إسرائيل (المستعمرات)، واستخدمه فلاديمير بوتين في قتل 30 ألف سوري وبقاء بوارجه في طرطوس.

لم يستخدم الفيتو مرة واحدة في قضية غير أنانية، وخالية من الضرر لعدد من الشعوب، وهو سلاح الضعيف لا القوي، ويخدم الدولة المتفردة لا المجموع، ويتجاهل جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن من أجل دولة واحدة، كما حدث يوم اقترعت 14 دولة مع بطرس غالي أمينا عاما، وصوتت (من صراخ) المسز مادلين أولبرايت وحدها ضده وضد ضعفاء العالم وأقويائه.

كم تغير العالم منذ 1945 ولم تغير الأمم المتحدة سوى عدد أعضائها، لا وجود لأميركا اللاتينية، وروسيا موجودة برغم أنها فقدت الكتلة السوفياتية برمتها، إلا مقابر ومرامل غروزني، والهند المذهلة التطور والنمو لا وجود لها، ومليار ونصف مليار مسلم بلا مندوب.