العرب: أمة لا تعتذر!

TT

من أهم السلوكيات التي تطهر الأنظمة الديمقراطية من خطاباتها التاريخية القديمة «الاعتذار عن أخطاء أو خطايا تاريخية كانت بمثابة وصمة في جبين الوطن وجريمة في حق الإنسانية».

عام 2006 اعتذر توني بلير رئيس وزراء بريطانيا عن دور بلاده في تجارة الرقيق في أفريقيا والعالم، واعتذرت ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية عن النازية، واعتذرت كندا عن الظلم التاريخي للهنود الحمر، واعتذر البيت الأبيض في عهد ريغان عن مسألة إيران غيت.

وهذا السلوك - في رأيي المتواضع - هو إحدى علامات التحضر والتصالح مع النفس والتاريخ، وهو أمر يعلي ولا يقلل من شأن صاحبه أو الدولة التي يعبر عنها.

وهنا يتوقف العقل السياسي العربي ويسأل النفس سؤالا صريحا، ماذا يحدث لو انتقلت عدوى التصالح مع النفس والتاريخ من الحضارة الأنغلوساكسونية إلى حضارتنا العربية؟

من سوف يعتذر لمن؟

هل اعتذر صدام حسين لأهل حلبجة؟ هل اعتذر حافظ الأسد لأهل حماه؟ وهل سيعتذر بشار الأسد لكل سكان المدن والقرى السورية الذين يعيشون تحت مجازر الجيش النظامي السوري؟

وهل يعتذر الرئيس التونسي الأسبق بن علي عن منع الحجاب وإطلاق يد أسرته وأسرة زوجته في استباحة المصالح في تونس؟ وهل سيعتذر الرئيس علي عبد الله صالح عن الدماء التي أريقت في حروب القبائل وعن توحيد اليمن من شماله إلى جنوبه بالقوة المسلحة؟ وهل سيعتذر نظام الرئيس جمال عبد الناصر عن هزيمة 1967؟ وهل سيعتذر اليمين المسيحي اللبناني عن مذبحة صابرا وشاتيلا؟ وهل ستعتذر واشنطن عن غزو العراق وأفغانستان بحثا عن بن لادن الموجود في باكستان؟

هل سنعتذر جميعا لأننا لا نعرف مبدأ الاعتذار عن أخطاء وخطايا ارتكبناها في حق شعوبنا وفي حق الإنسانية؟ هل نعتذر عن عدم الاعتذار؟!

لقد اعتذر الفلاسفة، وأولهم سقراط، عن أخطائهم أو سوء تقديراتهم. والاعتذار هو أحد أركان «التوبة» التي فصل لها القرآن الكريم سورة كاملة، وحرص الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام على تدعيم سلوكيات الاعتراف بالخطأ والجهر به علنا، والاعتذار الشفهي والمادي لتصويب الخطأ، ثم إعلان الشعور بالندم والتوبة الصادقة من خلال عدم تكراره.

لو فتحنا أبواب الاعتذارات عما ارتكب في حق شعوبنا في المائة سنة الأخيرة لما اتسعت مكتبات العالم كلها لرصد وجمع أطنان الخطايا التي ارتكبها حكام في حق شعوبهم.