الهجوم الليبي قد يثير سلسلة واسعة من ردود الفعل

TT

تزامن الهجوم على القنصلية الأميركية في مدينة بنغازي الليبية، الذي أودى بحياة أربعة أميركيين من بينهم السفير الأميركي في ليبيا كريس ستيفنز، مع الذكرى الحادية عشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول).

وتم شن هذا الهجوم من قبل مجموعة «صغيرة ووحشية»، على حد وصف وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، ردا على الفيلم المسيء للإسلام الذي أخرجه سام باسيلي من ولاية لوس أنجليس الأميركية، الذي انتشر على شبكة الإنترنت في الآونة الأخيرة. ووصف الفيلم الإسلام بأنه «سرطان» واستخدم كلمات قوية ضد النبي محمد (صلى الله علي وسلم). وعقب ظهور الفيلم، اندلعت موجة واسعة من الاحتجاجات بدأت من مصر عندما حاول محتجون اقتحام السفارة الأميركية في القاهرة، ولكن المأساة التي وقعت في بنغازي قد غطت على كل ردود الفعل الأخرى بسبب العنف الشديد من جانب المحتجين.

وأدلى الرئيس الأميركي باراك أوباما ببيان صحافي حول هذه الاحتجاجات في الثاني عشر من سبتمبر، أي بعد يوم واحد من الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي. وعلى الرغم من تعهد أوباما بمعاقبة منفذي الهجوم، ما زالت هناك علامات استفهام حول تأخر البيت الأبيض في التعليق على الهجوم، وهو ما ينطبق أيضا على منافس أوباما في الانتخابات الرئاسية ميت رومني، الذي اتهم أوباما بإعطاء إشارات متضاربة وطالب باعتذار رسمي من جانب مصر، على غرار ما فعلته ليبيا، بسبب فشلها في حماية البعثة الدبلوماسية الأميركية.

وفي الحقيقة، يعد الهجوم الليبي حادثا مشئوما لأوباما من ثلاث زوايا؛ أولها الحادث المأساوي في حد ذاته، حيث كان ستيفنز هو أول دبلوماسي أميركي يتعرض للقتل أثناء تأدية واجبه منذ مقتل المبعوث الأميركي لأفغانستان، أدولف دوبس عام 1979، علاوة على أنه قتل في بلد قدمت له الولايات المتحدة كثيرا من المساعدات بهدف التخلص من الزعيم السابق معمر القذافي وتشكيل الحكومة الحالية.

ثانيا: جاء الهجوم رد فعل عنيفا على الفيلم الذي يحمل رسالة تهين المسلمين، وهو ما قد يدمر كثيرا من الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لبناء جسر من التواصل بين الغرب و«المسلمين الصالحين». وهذا هو السبب الذي جعل الولايات المتحدة تتسم بالحذر في لهجتها المستخدمة لانتقاد السخرية من المعتقدات الدينية، وأن تفصل بين الحكومة الليبية التي قدمت اعتذارا وبين الهجوم.

ثالثا: وقع الهجوم في الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة لانتخابات رئاسية حاسمة في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني). ولم يكشف رومني عن أنيابه بعد، ولكن يبدو أنه سيهاجم أوباما بقوة خلال الأيام المقبلة بقوله إن الولايات المتحدة أصبحت مستهدفة في جميع أنحاء العالم، وأنها فشلت في فهم الطبيعة الحقيقية للربيع العربي، إذا فشل أوباما في الرد على الهجوم الليبي الذي من شأنه أن يخرس خصمه.

ويبعث أوباما برسالة مفادها أنه لا يريد أن يتورط في أي عمل عسكري، على الأقل حتى موعد الانتخابات الرئاسية، وهو ما ظهر جليا في الرسائل الواضحة التي أرسلها لفرنسا وتركيا بشأن سوريا وإلى إسرائيل بشأن إيران، ولكن لو قام أوباما بعمل عسكري ردا على هذا الهجوم، فإنه بالتأكيد سيرضي الرأي العام الأميركي ويستمر في حملته الانتخابية من حيث انتهى. ولو قامت إسرائيل حينئذ، بحجة شواغلها الأمنية فيما يتعلق بإيران، بشن هجوم على طهران وخلق أمر واقع، ستتحول المنطقة بأسرها إلى جحيم. ويمكن لهذه الخطوة أن تثير سلسلة واسعة من ردود الفعل.

وفي الحقيقة، تمر منطقة «الشرق الأوسط الكبير»، وليس الولايات المتحدة وحدها، بحالة يرثى لها.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية