هذا المعنى.. هل يراه الدكتور مرسي؟

TT

هذا الأسبوع، كان أربعة سفراء، من أربع دول أوروبية، قد جاءوا إلى القاهرة، وقابلوا الدكتور محمد مرسي، وأعلنوا بعد لقائه، أنهم أبلغوه دعم أوروبا في خطوات التحول الديمقراطي التي يقودها في مصر، منذ انتخابه رئيسا في 24 يونيو (حزيران) الماضي.

وحتى لحظة كتابة هذه السطور، لم يكن الرئيس مرسي قد بدأ بعد، جولته الأوروبية التي سوف يزور خلالها مقر الاتحاد الأوروبي في بلجيكا، وهي جولة يلتقي خلالها مسؤولين في الاتحاد هناك، وبطبيعة الحال لن تكون الرسالة التي سوف تصله، وهو يزور المقر، ويتحدث مع مسؤولين فيه، وخصوصا السيدة «أشتون» مسؤولة العلاقات الخارجية.. لن تكون الرسالة من هذه السيدة، أو من غيرها في الاتحاد مختلفة عن رسالة السفراء الأربعة، من حيث الدعم الأوروبي المعلن، للرئيس المصري المنتخب.

هذه واحدة.. والثانية أن مرسي سوف يذهب إلى الولايات المتحدة الأميركية، آخر هذا الشهر، من أجل لقاء مع الرئيس الأميركي أوباما، وهو لقاء كانوا قد أعلنوا عنه قبل شهر تقريبا.. صحيح أن الزيارة ليست لواشنطن العاصمة، وإنما لنيويورك، وصحيح أن الرئيس مرسي سوف يكون هناك، ضمن الاجتماع السنوي الذي تعقده الجمعية العامة للأمم المتحدة في هذا الموعد من كل عام، وصحيح أنه سوف يكون موجودا مع زعماء كثيرين من شتى أنحاء العالم.. وصحيح.. وصحيح.. إلى آخره.. ولكن الأصح من ذلك، أن طريقة الإعلان عن موعد زيارته هذه، وطريقة الإشارة إلى أن أوباما سوف يلتقيه، ثم الطريقة التي تعاملت بها الإدارة الأميركية، مع الخبر، منذ البداية - تشير كلها، إلى حفاوة خاصة من جانبها بالدكتور محمد مرسي.

لا ينفصل عن هذا كله، ما يلاحظه كل ذي عينين، من أن الوفود الأميركية، على مستويات معينة ومميزة، لا تكاد تنقطع عن القاهرة، طوال الشهرين الماضيين، دون توقف، مع إشارة معلنة في كل مرة، إلى أن الأميركان، كإدارة حاكمة، يدعمون الرئيس الجديد.. وقد وصل الدعم إلى الحد الذي قال معه «توماس نايدز» نائب وزيرة الخارجية الأميركية وهو يزور القاهرة، الاثنين الماضي، إن من حق المصريين أن يفخروا بالإدارة الجديدة لبلادهم!

طبعا.. دعم من هذا النوع، وبهذا الشكل، وعلى هذا المستوى، لا بد أن يجعلنا نتساءل: من أجل ماذا بالضبط، وما الهدف من ورائه؟! خصوصا إذا كنا مدركين مسبقا، أن الدعم الأوروبي، أو الأميركي، أو الغربي عموما، لا يتم بذله عشوائيا هكذا، دون مصلحة، ودون ثمن، سواء للدكتور مرسي أو لغيره على امتداد العالم.

نضيف إلى ذلك، أن خزائن صندوق النقد الدولي، قد انفتحت لمصر فجأة، وبقدرة قادر، وتقرر أن يقدم الصندوق، للحكومة المصرية قرضا قيمته 4.8 مليار دولار.. وأرجوا ألا يقال هنا، إن مصر من بين مؤسسي الصندوق عام 1944 وإن من حقها، بالتالي، أن تحصل على قرض يوازي حصتها في الصندوق، وإن قواعده وأعرافه تتيح له أن يستثني دولا بعينها، وأن يمنحها 200% أو حتى 300% من حصتها، وأن هذا هو ما يجري مع مصر حاليا، وأن من بين مهام الصندوق مساعدة الدول التي هي في مثل ظروف مصر، وأنه كصندوق لم يعد، كما كان من قبل، يركز في شروط إقراضه على الإصلاح الاقتصادي فقط، وإنما أصبح يراعي الجوانب الاجتماعية كذلك، وأنه.. وأنه.. أرجو ألا يتطوع أحد، ويقول بذلك، لا لشيء، إلا لأن هذا كله مفهوم، ويمكن استيعابه، ولكن، لا يمكن لمن يقول بذلك، أن يتجاهل، في الوقت نفسه، أن كل ما يقول به، إذا كان مهما، وهو كذلك بالفعل، فإن الأهم منه، أن الرضا الأميركي خصوصا، والغربي عموما، إذا غاب عن دولة، فإنه يجعل من هذه الحقائق كلها، بالنسبة للصندوق وقروضه، أمرا لاغيا، لا قيمة له، ولا وزن، ولا اعتبار!

فإذا ارتبط رضا أميركي، وأوروبي، على هذه الصورة، بعلاقة مع نظام حكم جديد في مصر، تحكم من خلاله جماعة الإخوان، التي كانت إلى شهور قليلة مضت، موضع عدم رضا من جانب الأميركان والأوروبيين أنفسهم، ولا نريد أن نقول موضع غضب أو سخط - جاز لنا، عند ذلك، أن نتساءل بقوة، عن السبب، وعن السر، وعن أصل الحكاية.

هذا «الرضا الفياض»، إذا صح وصفه هكذا، لم يكن له أثر، إلى ما قبل ثورة 25 يناير 2011، وفجأة، انتقلنا من الضد إلى الضد تماما، في علاقة الأميركان والغرب، مع «الإخوان»، وصار أعداء وخصوم الأمس، بالنسبة لأميركا وأوروبا، هم أصدقاء اليوم، وهي صداقة كما نرى، ليست حتى من النوع العادي، وإنما فيها حميمية تبدو كأنها زائدة على الحد، لغرض في نفس «أوباما» وفي نفس «أشتون».. أو كليهما معا.

الحكاية، إذن، فيها «شيء ما»، ولا يمكن أن تكون بهذه البراءة التي تبدو عليها فصولها المتتابعة، وتظهر من خلاله حلقاتها المتتالية، في كل وقت، ولذلك، فالسؤال يظل عن هذا «الشيء» غير الظاهر لنا، طول الوقت.. ما هو بالضبط؟!

ولا يمكن لكل ذي عقل، أن ينكر، أن هناك خيطا ممتدا، يتراءى من وراء الستار، بين الوقائع كلها، بدءا بقرض الصندوق، ومرورا بزيارة مقر الاتحاد الأوروبي، وانتهاء برحلة نيويورك، بالإضافة إلى ما بين الوقائع الثلاث الرئيسية من تفاصيل صغيرة تكمل إطار الصورة، وتأتي في شكل زيارة السفراء الأوروبيين الأربعة، تارة، وفي هيئة الوفود الأميركية التي تحج إلى العاصمة المصرية، وفدا وراء وفد، تارة أخرى!

ظاهر الأمر، أن الغرب - والأميركيان في المقدمة منه - يريد أن يساعد «مصر ما بعد الثورة».. وسوف نفترض أنه صحيح.. غير أنه، على بعضه، يمثل مجرد عنوان لخبر.. أما تفاصيل الخبر، وما وراءه، وما بين سطوره، فهي خافية، وهي في الوقت نفسه أصل الموضوع.

أخشى أن يكون ما يجري، فيه استدراج للدكتور مرسي، أكثر مما فيه من المساعدة، أو مد يد العون لثورة ناشئة، وأخشى أن تكون هذه الصور كلها، من صور المساندة، لنظام الحكم الجديد في مصر، أقرب إلى السراب، منها إلى أي شيء آخر.. كيف؟! هذا ما أفكر فيه، ويشغلني منذ فترة، وأظن أنه في حاجة إلى حديث منفصل، نتلمس من خلاله معالم الطريق الذي يسير فيه الدكتور مرسي، وإلى أين يتجه، وماذا يراد به، وأيضا بنا؟!