البحرين: العدالة صمام الأمان للوطن

TT

تفرض الثوابت السياسية والأمنية التي تقوم عليها الدولة ضرورة الدفاع عن أمنها السياسي وأراضيها ضد أي خطر داخلي أو خارجي، والدولة مطالبة أمام الشعب بأن تحقق لهم الأمن والاستقرار السياسي. في 14 فبراير (شباط) 2011م تعرضت مملكة البحرين لمحاولة انقلابية رفعت شعار إسقاط النظام منذ أول يوم، مما يؤكد أن هذه المؤامرة كان مخططا لها من قبل أطراف أجنبية، وهي إيران وحزب الله اللبناني. وعلى الرغم من أن المؤامرة أجنبية، فإن السلطة تعاملت معها في البداية على أنها حركة معارضة سياسية وأعطت من التنازلات الكثير، إلا أنه يوما بعد يوم أخذت الأمور تأخذ منحى خطيرا، وتعرضت الدولة ومؤسساتها لأعمال شغب وتخريب أدت إلى إزهاق أرواح كثير من المواطنين وقطع الشوارع والطرقات وتسييس وتعطيل حركة التعليم في الجامعات والمدارس ومحاولة القيام بعصيان مدني، مقابل كل ذلك مارست الدولة سياسة ضبط النفس لعل وعسى تتحسن الأمور، وقام الملك بنفسه بمبادرة سياسية بالاستعانة بلجنة دولية محايدة لتقصي الحقائق، وتم تصحيح كثير من الأوضاع، إلا أن ذلك لم يشفع عند هذه الحركة الانقلابية لتتجاوب مع الحكومة ومبادرات الحوار الوطني، وإنما على العكس ذهبت في التمادي في القيام بأعمال شغب وتخريب وقطع للطرقات، فما كان من السلطة إلا أن تقوم بالتزاماتها أمام شعبها لتوفير الأمن والاستقرار تحت ضغوط شعبية، وبعد أن ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن هدف هذه المعارضة هو إسقاط النظام قامت الدولة بواجبها وتم إلقاء القبض على المخططين والمنفذين للمحاولة الانقلابية وتقديمهم للمحاكمة، وثبتت التهم الموجهة لقادة المحاولة الانقلابية أنهم مدانون بالتخابر مع إيران وحزب الله اللبناني بهدف «قلب نظام الحكم والتخابر مع جهات أجنبية وانتهاك أحكام الدستور».

من المتعارف عليه أن معظم الدول في العالم تشهد صراعات سياسية بين المعارضة من جهة، والحكومة من جهة أخرى بما فيها الدول المتقدمة وهذه هي طبيعة الممارسة الديمقراطية السليمة، بيد أن هذه الصراعات لم تؤد بالمعارضة إلى أن طلبت مساندة دولة أجنبية أو على علاقة باستخبارات دولة أخرى لأن ذلك يعتبر في جميع القوانين خيانة عظمى بكل ما تعنيه التهمة من معان. مملكة البحرين مملكة دستورية فيها البرلمان والمؤسسات المدنية وباقي السلطات التنفيذية والتشريعية، ومن جانب أهم كانت المعارضة، التي تتمثل في جمعية الوفاق ممثلة في البرلمان بـ18 نائبا جاءوا بعد انتخابات نزيهة. وكان البرلمان يمارس دوره بكل بحرية، ولذا فالسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي جعل البحرين تشهد كل هذه الاضطرابات وتدخل المعارضة طرفا فيها وترفع شعار إسقاط النظام مع جمعيات مشتبه في انتمائها؟!

القضية الأهم التي لا بد من تسليط الضوء عليها هي أنه منذ حدوث الأزمة في البحرين وإيران داخلة بكل قواها في البحرين، وما تصريحات قادة إيران وتصريحات الامين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله إلا أكبر دليل على ذلك، ففي كل تطور للأحداث في البحرين تجد صداها في إيران، وآخرها ما قامت به أجهزة إعلام النظام الإيراني من تحريف لخطاب الرئيس المصري محمد مرسي في اجتماع دول عدم الانحياز واستبدال كلمة البحرين بكلمة سوريا، هذا ما ظهر، وما خفي كان أعظم، وقد رفضت البحرين «بشدة» التدخلات الإيرانية «السافرة» في شؤونها الداخلية، وقدمت احتجاجا رسميا إلى الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، بعد التصعيد الإيراني الأخير لاستضافتها قوات درع الجزيرة الخليجية على أراضيها لحفظ أمنها وأراضيها. واكتشاف الخلايا الإرهابية التابعة لإيران ليس جديدا في البحرين؛ ففي التسعينات تم ضبط خلية من الشباب البحرينيين كانوا يتلقون تدريبات في جنوب لبنان على يد حزب الله.

ومن المؤسف أن يظهر علينا المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مؤخرا بشأن الأحكام الصادرة في البحرين ضد من قاموا بالمحاولة الانقلابية لكي يعزز الاعتقاد لدينا بأن أميركا تكيل بمكيالين، فما يقع في أراضيها من أعمال شغب هو إرهاب وما يحدث في الدول الأخرى هو حقوق الإنسان، وهذا يثبت تضاربا بين المبادئ الدستورية التي تعتنقها هذه الدولة العريقة في الممارسة القضائية، نقول ذلك عندما أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية باتريك فنتريل في بيان للحكومة البحرينية: «لدينا قلق بالغ لكون محكمة استئناف أيدت غالبية التهم والأحكام بحق 13 ناشطا في البحرين». وأميركا تعرف أنه من حق أي دولة في العالم أن تحفظ أمنها الداخلي متى ما وجدت هذا الأمن مهددا بالخطر، ونذكر الولايات المتحدة التي تعرضت لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 من قبل «القاعدة» بأنها قامت بغزو دولتين في العالم من أجل أمنها الداخلي وهي ما أطلق عليها جورج دبليو بوش الحرب الاستباقية، ولقد ترك هذا الغزو الأميركي للعراق وإيران آثارا مدمرة ما زالا يعانيان منها، حيث تم هدم البنية التحتية لكلا البلدين، وخرجت أميركا من العراق وأفغانستان دون أن تحقق أي هدف، وما زال الوضع الأمني في كلا البلدين غير مستقر.

نقول للذين أدانوا هذه الأحكام: هل يعلمون كم تحملت البحرين من الخسائر الاقتصادية والبشرية بعد أحداث 14 فبراير؟ هل هم على اطلاع على أعمال العنف والشغب واغتيال رجال الأمن والمدنيين بغير ذنب، ومع كل ذلك كان ملك البحرين يعفو عن كثير ممن يتورطون في أعمال الشغب هذه. أسئلة كثيرة بحاجة إلى أن نطرحها، وخاصة على أميركا وبريطانيا اللتين أدانتا هذه الأحكام، هل نحن بحاجة إلى أن نذكركم ونقول لهم ماذا كان رد الفعل عندما حدثت أعمال الشغب في أميركا وبريطانيا؟

ففي أميركا منذ سنة تم إلقاء القبض على أكثر من 700 محتج مناهض لـ«وول ستريت» بتهمة سد طرق المرور ومحاولة تنظيم مسيرة دون ترخيص. ووقعت الاعتقالات عندما خرجت مجموعة كبيرة من المتظاهرين الذين يشاركون في ثاني أسبوع من احتجاجات تنظمها حركة «احتلوا وول ستريت»، على ممر المشاة على الجسر، وساروا في الممرات المؤدية لبروكلين. وفي بريطانيا في 8 أغسطس (آب) 2011 قطعت تيريزا ماي، وزيرة الداخلية البريطانية، إجازتها وعادت إلى لندن، إثر تجدد أعمال العنف، ليل الأحد/ الاثنين، في عدد من أحياء العاصمة لندن، حيث نهبت محلات تجارية، وأحرقت بعض الممتلكات العامة والخاصة، وقالت الشرطة إنها اعتقلت نحو 100 شخص، وتحدثت عن سقوط 9 جرحى في صفوفها.

ما كنا بحاجة إلى أن نذكر بذلك لولا موقفهم من الأحداث في البحرين، وأكبر من ذلك ماذا عن مواقفكم من الإبادة التي يتعرض لها الشعب السوري من سنتين، هل موقفكما الرسمي يتناسب مع ما يحدث في سوريا. على أميركا وبريطانيا أن تعيدا حساباتهما من تطور الأحداث في العالم العربي ومن يثير النزاعات والمشكلات، وللتاريخ عبر سوف تؤكدها الفترة المقبلة.