لماذا حركت إيران خلاياها في تركيا؟

TT

العلاقات التركية - الإيرانية التي تقدم نفسها على أنها أفضل نماذج التعاون والانفتاح الإقليمي بسبب براغماتيتها وواقعيتها على طريقة «شيلني أشيلك»، مهددة بالتراجع والتدهور نتيجة الامتحان الصعب الذي تمر به بعد تباعد الرؤى وتضارب المصالح حيال الأزمة السورية والموقف من النظام في دمشق.

مقاربة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الأخيرة أمام مؤتمر «الصحوة العربية» الذي عقد في إسطنبول بين ما يجري اليوم في سوريا وما جرى قبل عقود في كربلاء وحديثه عن متعصبين في المنطقة يدعمون النظام السوري، رسالة واضحة حول أن المقصود هو القيادة الإيرانية التي لم يذكرها بالاسم. الأخبار والمعلومات التي تتناقلها وسائل الإعلام التركية وتصريحات قيادات «العدالة والتنمية» تعكس احتمال اقتراب المواجهة التي اختارت أنقرة تأجيل موعدها وترجيح لعب ورقة مرور الزمن.

فما الذي أغضب أنقرة على هذا النحو وتركها أمام خيار التفريط في مليارات الدولارات من التعاون التجاري مع إيران؟ هل هو شعورها أن طهران لن تغير مواقفها حيال ما يجري في سوريا ولن تتراجع عن خيار الوقوف إلى جانب النظام، أم قناعتها باستحالة المضي في لعبة المساواة بين علاقاتها مع طهران والتمسك بشراكتها مع الغرب، أم اكتشافها لتحرك إيراني جديد باتجاه بناء وتوسيع رقعة التحالفات مع أعداء تركيا وكل من له مصلحة في إسقاط حكومة «العدالة والتنمية»؟

إيران أرسلت العشرات من رجال أمنها إلى المدن التركية بمهمات متنوعة، وهي حركت مجددا خلاياها النائمة في المدن التركية منذ سقوط نظام الشاه المنفتح على تركيا والشركاء الغربيين، وها هي اليوم توسع شبكة العلاقات مع حزب العمال الكردستاني وتعمل على إعادة الحياة إلى حزب الله التركي.. هذا ليس ما تقوله التقارير الأمنية والاستخباراتية وحدها، بل ما تعكسه عمليات المداهمة والاعتقال والنشاطات العدائية شبه اليومية التي تتناقلها وسائل الإعلام التي تصب كلها في إطار الضغط على تركيا لتبديل سياساتها حيال الأزمة السورية وقرار التعاون مع الغرب في موضوع نشر مظلات الصواريخ والملف النووي الإيراني.

معلومات أمنية تتحدث عن دخول أكثر من 100 رجل من الحرس الثوري الإيراني وأجهزة المخابرات هذا العام وحده إلى الأراضي التركية ونجاح هذه المجموعات في الاختراق والتغلغل وإقامة شبكة علاقات قوية في العديد من المدن التركية بغطاء تجاري ودبلوماسي وثقافي وإعلامي. عشرات الموقوفين والمعتقلين الذين يجري التحقيق معهم أو تمت إحالتهم إلى القضاء وجهت إليهم تهم التجسس والتحضير لعمليات تخريبية داخل المدن التركية.

صور وأفلام موثقة حول لقاءات بين رجال الأمن الإيراني وشبان أتراك محسوبين على حزب العمال لبحث سبل تبادل الخدمات.

عمليات تصوير ورصد لأهم المواقع الاستراتيجية الأمنية والاستخباراتية والحيوية في المدن التركية الحدودية مع إيران مثل أغدر وأغري وفان وهكاري.

تفكيك الكثير من الخلايا التي تم تركيبها أو محاولات إنعاش خلايا قديمة لحزب الله التركي وإحالة العشرات من المواطنين الأتراك والإيرانيين إلى القضاء بتهم تهديد الأمن الوطني.

ربما الدخول المباشر لجهاز المخابرات التركية (الميت) على الخط وتحركه لقطع الطريق على هذه النشاطات يعكس حجم الأزمة وبروز قناعة تركية رسمية حول إصرار إيران على استهداف وزعزعة الداخل التركي.

أكثر ما يزعج أردوغان وحكومته في هذه الآونة إلى جانب هذا الكم من التقارير الأمنية حول تحركات الأمن الإيراني، ليس تمسك أنقرة بوقوفها إلى جانب إيران في مجلس الأمن الدولي رغم كل ضغوط الشركاء الغربيين، بل محاولة طهران إضعاف الموقف التركي في الموضوع السوري بهذه الطريقة التي يتقدمها تحريض المعارضة التركية واللعب بورقتها من أجل تخفيف الضغوط على النظام في دمشق، واحتمال تحريك مجموعات حزب العمال وعملاء مأجورين لاستهداف رموز المعارضة السورية المقيمين على الأراضي التركية والذين عجزت دمشق عن الوصول إليهم.

أنقرة بدأت الرد أمنيا وسياسيا وقضائيا وإعلاميا، لكن 3 زيارات متلاحقة لرئيس جهاز الاستخبارات الأميركية إلى تركيا في عام واحد لها أكثر من مدلول، فإيران ونشاطاتها في تركيا في قلب هذه الاتصالات كما يبدو.