لم يسمع به

TT

إليك ما قاله عظيم الفرنسيين، فيكتور هوغو، عن شكسبير عظيم الإنجليز: «هنا في مدينة ران، سمعت (1825) للمرة الأولى بشكسبير». ثم يقول لنا هوغو في مذكراته، إن الفرنسيين لم يحبوه. وفولتير قد سخف أعماله وأصبح «رأي فولتير قانونا في فرنسا». لكن لا يلبث هوغو أن يعتذر عن «الأحكام المسبقة» التي ترافق سن الشباب، وأنه سوف يكتشف في سن الوعي ما قدمه شكسبير للأدب العالمي: «المؤسف أن المرء يولد وإلى جانبه الأحكام المسبقة التي ترافقه إلى نهاية العمر، ما لم يستيقظ في مرحلة ما».

هل يمكن أن نتخيل رجلا في حجم هوغو لا يدرك أهمية شاعر في حجم شكسبير، إلا متأخرا في العمر؟ أجل. عندما نتذكر نحن الأحكام المسبقة التي عاشت معنا. كيف سمعنا رأيا في شخص أو قضية ونحن أطفال، ولم يخطر لنا لاحقا أن نتساءل، لا عن حقيقة الرجل المحكوم بل عن أهلية الرجل مصدر الأحكام. ولا خطر لنا أن نتساءل ممن سمع صاحبنا هذا ما نقله من أحكام.

كم ندمت حين أعدت النظر في عدد غير قليل من الناس الذين ورثت أحكاما خاطئة عنهم، من الأهل أو الأصدقاء أو الرفاق أو خصوصا الصحافة. لم يكن بين هؤلاء شكسبير طبعا. لكنني ورثت بتهور ظلما حملته معي إلى أن تبين لي أن الجاهل وحده لا يحقق في أحكام الإعدام المعنوية التي يصدرها سواه. الجاهل وحده يرفض بعناد أن يفكر في إعادة النظر في الظلم الذي يلحقه بالآخرين.

أشعر بندم كثير لأنني لم أسع إلى التعرف إلى الكبار وهم أحياء. تفتح لنا الصحافة معظم الأبواب، لكن الكسل والأحكام المسبقة تحول دون الفرص الكبرى أمامنا. وإضافة إلى ذلك هناك غرور غبي وغير متعمد، يمنعنا من معرفة القيمة الحقيقية للكبار وهم أحياء، فإذا غابوا لم ندرك فقط مدى أهميتهم بل أيضا مدى ما فوت الجهل علينا.

لا أحب أن أتذكر لائحة الرجال الذين أشعر بالندم لما ورثته عنهم من أحكام. أحدهم كان الرئيس كميل شمعون الذي كان والدي ينتقده ويتهمه باستمرار. وعندما كنت ألتقي الرجل في المصعد وهو ذاهب إلى غسان تويني في «النهار»، لم أكن ألقي التحية عليه بل أتصرف كأنني لا أعرفه.

ذات مرة سألت الراحل الحبيب أمين الحافظ، مَن في رأيه كان أفضل رئيس للجمهورية، قال: «كميل شمعون، لأنه أول رئيس حمل الازدهار إلى البلد». أن يأتي الرأي من رجل في خلفية أمين الحافظ السياسية، جعلني أشعر بالخجل من نفسي. لماذا لم أطرح السؤال قبل سنين كثيرة.