تسارع خطوات الاستثمارات الخليجية في بريطانيا

TT

شكل الاستثمار والفرص المتسارعة في بريطانيا العظمى محور مقالاتي الأخيرة، لكن الاستثمار ليس عملية تسير في اتجاه واحد. فقبل الشروع في كتابة مقال هذا الأسبوع تلقيت دعوة للحديث أمام قمة التمويل العقاري الدولي التي تعقد مرة أخرى في لندن هذا العام. وسأتناول في حلقة النقاش سوق العقارات في المملكة العربية السعودية، محاولا استشراف تحويل مستقبل الاستثمار العقاري في المملكة. سأتحدث عن هذا الموضوع أمام جمهور في لندن، كما يطلب إلي في أحيان كثيرة الحديث حول الموضوع ذاته في جدة والرياض.

عادة ما يلجأ مستثمرو الشرق الأوسط إلى الاستثمار في مجال العقارات في بريطانيا، لكن الاستثمار الداخلي القادم من اقتصادات ناشئة أخرى، وبخاصة الصين، يتركز في القطاعات التكنولوجية مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وقد أنتجت الجامعات البريطانية ومتنزهاتها العلمية التي تتمتع بمستوى عالمي وواحدة من أفضل القوى العاملة في العالم، حيث يجذب العمال البريطانيون المهرة شركات التكنولوجيا المتقدمة التي تحتاج إلى إنشاءات عالية الجودة لتطوير وتصدير تكنولوجيتها.

وقد أعلنت شركة «هياوي تكنولوجيز» الصينية العملاقة الأسبوع الماضي عن خططها لاستثمار 1.3 مليار جنيه إسترليني (ملياري دولار) لتوسيع عملياتها في بريطانيا خلال السنوات الخمس المقبلة، ويتوقع أن توفر ما يقارب 700 وظيفة جديدة. وقد كشف رين شينجفي، المدير التنفيذي للشركة، عن خطة الاستثمار يوم الثلاثاء عندما التقى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، وأكد أن من بين العوامل التي ساعدت على اتخاذ القرار أن بريطانيا سوق مفتوحة ترحب بالاستثمار الأجنبي، وأن بريطانيا واحدة من أهم الأسواق الأوروبية التي استثمرت فيها «هياوي». وقال رين الأسبوع الماضي إن «بريطانيا مركز للابتكار، تمتلك قوة عاملة على درجة عالية من المهارة وتحظى باحترام دولي لجودة أنظمتها القانونية والتعليمية. لهذه الأسباب، اخترنا بريطانيا العظمى كمكان لواحد من مراكز إبداعنا». من جانبه، قال رئيس الوزراء ديفيد كاميرون إن الاستثمار أظهر أن بريطانيا منفتحة على الأعمال.

ومن الاستثمارات الصينية المعتبرة في بريطانيا في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات شركة «إشيان إنفو لينكدج»، أبرز مصدري حلول برامج الاتصالات والخدمات المرتبطة بها، التي افتتحت مقرها لأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في فيجن بارك، وتأمل الانتقال بداية العام المقبل إلى مبنى رئيسي، ربما متنزه كمبردج للعلوم. وقد أعلن الرئيس التنفيذي للشركة، ستيف تشانغ، أن افتتاح مقر الشركة الجديد سيكون خطوة رئيسية في جهود التوسع العالمي للشركة، الرامية إلى الاستفادة من المعرفة التقنية والخبرة في خدمة ناقلات الاتصالات الصينية الثلاثة، مع الخبرة في خدمة الناقلات في جنوب شرقي آسيا لتقديم منتجات وخدمات ذات طراز عالمي لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا.

وتخطط الشركة لاستخدام موظفي مبيعات، وخدمات مهنية وموظفي دعم عملاء محليين لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا خلال عام 2012. وسوف ألتقي فريقهم الإداري خلال الأسابيع القليلة المقبلة للحديث بشأن دخولهم إلى أسواق الشرق الأوسط وكيف يمكن المساعدة في ذلك.

من جانب آخر، شهدت استثمارات الشرق الأوسط في بريطانيا ازديادا واضحا خلال السنوات الخمس الماضية عبر صناديق الثروات السيادية الخاصة بقطر وأبوظبي التي لعبت دورا رائدا في قيادة هذا التوجه، والاستحواذ على أسهم رئيسية في شركات شهيرة مثل «سانسبيري» و«باركليز»، سبقتها الكثير من عمليات الاستحواذ في سوق عقارات وسط لندن.

وكما ذكرت في مقال الأسبوع الماضي، شمل شراء الأصول القرية الأولمبية للندن 2012 التي بيعت في صفقة بين ديلانسي العقارية وشركة «ديار» القطرية. وتم امتلاك موقع بناء «مركز شل» القريب من محطة «ووتر لو» مناصفة بين مجموعة «كاناري وورف» و«ديار» القطرية. تبع ذلك الكثير من عمليات الاستحواذ المشابهة مثل «متجر هارودز» الفاخر ومقر «كريدي سويس» الواقع في ميدان وان كابوت وأغلى مجمع سكني في العالم في هايد بارك1. وفي واحدة من كبرى الصفقات في الآونة الأخيرة، حصل صندوق هيئة استثمار أبوظبي، أضخم صندوق ثروات سيادية في العالم، على حصة في مطار غاتويك، في ظل نمو استثمارات البنية التحتية عبر صناديق الثروات السيادية.

وقد لفت الانتباه إلى أن لندن تتحول إلى محور للابتكار ومن ثم مرتعا للاستثمار والنمو. هذا هو الحال في برامج إعادة التجديد الضخمة التي تحدث في شرق لندن، والتي تأتي في أعقاب نجاح إعادة تطوير أحياء لندن لتصبح واحدة من أشهر أحياء المال والأعمال في العالم. وبطبيعة الحال، تمتلك شركة «معارض أبوظبي الوطنية» مركز إكسل لندن، مركز الاجتماعات والمعارض الدولية الشهير في لندن دوكلاندز.

وسوف تفتتح شركة «أمازون»، عملاق الإنترنت الأميركية، مركزا بحثيا جديدا في مدينة التكنولوجيا - النموذج البريطاني من وادي السليكون الأميركي. وسيستخدم مركز الإعلام الرقمي المئات من الأفراد ويركز على وسائل تغيير كيفية مشاهدتنا للتلفزيون. وسوف تنضم الشركة، التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، إلى عدد متزايد من شركات التكنولوجيا في وست إند، حيث تشكل الصناعات الرقمية جانبا كبيرا على نحو متزايد من الاقتصاد البريطاني، حيث يدر هذا القطاع 86 مليار جنيه إسترليني كل عام، أي ما يوازي 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي البريطاني. وتعتبر لندن بالنسبة لبولا بايرن، المديرة الإدارية لـ«مركز أمازون»، مكان جذب للاستثمارات. فكوكبة المواهب التي تحفل بها بريطانيا رائعة.

مرة أخرى، يوفر ذلك فرصا لمستثمري الشرق الأوسط في ظل توسع سوق العقارات. وهذا ليس استثمارا مبنيا على سوق قائمة على التفاؤل إلى حد بعيد كما شهدنا في الكثير من الدول، بل امتداد لسوق عقارات ناضجة ومتطورة بالفعل ومستأجرين ذوي جودة عالية وإيجارات مؤسسية قوية طويلة المدى. وقد تحول الشرق الأوسط إلى مصدر لطلب متزايد وقوي في سوق العقارات ببريطانيا. وربما كان انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني المحرك وراء هذا الاتجاه. ومن منتصف عام 2007، انخفض الجنيه الإسترليني بشكل لافت مقابل الريال السعودي، حيث وصل إلى أدنى مستوى له بلغ 30 في المائة خلال الربع الأول من عام 2009 قبل أن يشهد انتعاشة طفيفة ويقف عند مستواه الحالي بنسبة انخفاض 24 في المائة.

وتحولت بريطانيا إلى محط تركيز الاستثمارات الداخلية العالمية في أوروبا ومكانا للكثير من الشركات الدولية لإقامة مراكز بحثية ومكاتب عمليات لأوروبا والشرق الأوسط أيضا. تنشأ الآن دائرة نشطة عبر شركات التكنولوجيا الدولية المتقدمة الموجودة في بريطانيا والتي تحتاج إلى عقارات جيدة، وتستغل بعض شركات التقنية المتقدمة بريطانيا كنقطة انطلاق للتوسع في الشرق الأوسط. ويواصل مستثمرو الشرق الأوسط توفير المكاتب والمنشآت الأخرى للشركات الواقعة في بريطانيا. ولا يزال التعاون البريطاني الشرق الأوسطي يقدم حلقة فاعلة.

* أستاذ زائر في كلية

إدارة الأعمال بجامعة

«لندن متروبوليتان» ورئيس مجلس إدارة شركة «ألترا كابيتال»