جرس إنذار يدفعنا نحو التعبير عن القيم والحقوق المشتركة

TT

خلال نشاط صيفي نظمته منظمة «تحالف الحضارات» التابعة للأمم المتحدة (www.unaoc.org)، وجمع ما يزيد على 170 شخصا من 70 دولة مختلفة، طُلب من كل مشارك تلخيص تجربته خلال الأسبوع في كلمة واحدة. وكان الجميع يتمتع بروح مرحة واستخدموا كلمات مثيرة تعبر عن شعور لا يحدث إلا مرة واحدة في العمر مثل «الحب»، و«الأمل»، و«التفرد»، و«الإنجاز»، و«السلام».. وما إلى ذلك. واختارت إحدى المشاركات، التي كانت أكثر تحفظا من باقي المشاركين في هذا الجو المرح، كلمة «الإمكانية»، وهي عبارة كان لها صدى واسع درامي خلال الأحداث الأخيرة التي توضح كم كانت محقة حينما أبدت بعض الحذر.

السخط، الذي اشتعل في كثير من الدول بوصفه رد فعل على فيلم مستفز الذي أنتج في ظروف غامضة ويهدف إلى إهانة معتقدات دينية، مشروع ومفهوم تماما، ولا يوجد أي مؤمن، سواء كان مسلما أم مسيحيا أم يهوديا إذا ذكرنا فقط أصحاب الديانات السماوية، على استعداد لتقبل أي هجمات غير أخلاقية على مقدساته. ويحق لجميع المواطنين أن لا تُجرح مشاعرهم الدينية وأن يتطلعوا إلى الحماية من مثل هذه الهجمات غير الأخلاقية. وبوصفه حقا، ينبغي أن تتم المطالبة به عبر القنوات القانونية السلمية في إطار حدود القانون.

وفي الوقت الذي نتمتع فيه بهذا الحق، من المهم الاعتراف بأن أفعالا دنيئة يقوم بها شخص ما لا تمثل أمة بأكملها، أو حتى كل من ينتمون إلى جماعة محددة أو لدين محدد. وهنا يجب أن أؤكد المسؤولية المهمة التي تقع على كاهل رجال الدين والقادة السياسيين للتحدث مع أفراد دوائرهم وحثهم على الانتباه لهذه الحقيقة.

بعيدا عن كل ذلك، والذي يعد موضوعا منفصلا، كما يجب أن يُنظر إليه، يأتي التعبير المشروع عن غضب مجموعة استغله متطرفون لتأجيج عنف الجماهير من أجل تحقيق مآربهم السياسية. في رأيي، لا توجد علاقة بين عمليات القتل الوحشية، التي ارتكبت في بنغازي، وانتشار هذا التسجيل.

يجب أن يمثل مرتكبو هذا الهجوم الإرهابي الشرس أمام العدالة كما أوضحت السلطات الليبية فورا. ومثلما لا يمثل المتطرفون جميع الليبيين، لا يمثل صانعو الفيلم المسيء أميركا أو كل الأميركيين أو كل المسيحيين.

وأرى أنه من الواجب على أمثالنا في الوسط؛ أي الأغلبية العظمى، إعادة النقاش والحوار بعيدا عن التطرف، والحفاظ على موقعنا المستحق به.

هناك حقيقة أخرى مثيرة للقلق؛ وهي وجود خوف شديد فطري يمكن استغلاله بسهولة حينما تقع أحداث مثل هذه.. فالتربة خصبة لأصحاب التوجهات لاستغلال مشاعر الناس وإثارتهم والتشجيع على القيام بأعمال عنف لدعم نفوذهم.

وفي الوقت الذي يعود بي هذا إلى النقطة السابقة بشأن القيادة المسؤولة، يسلط هذا الضوء على الحاجة إلى التفكير العميق في التوترات المستمرة بين الشرق والغرب، وفي العلاقات السيئة بين الشعوب الإسلامية والغربية، حيث يتبنى كل طرف نظرة نمطية سلبية عن الطرف الآخر. وكم هي كبيرة مشاعر العداوة والبغضاء إلى الحد الذي يجعل من السهل أن تنفجر بأقل فعل. ويشير هذا إلى أن حركة تحالف الحضارات مبادرة جاءت في وقتها المناسب من قبل الأمم المتحدة، ولكنه أيضا تذكير أليم بأن العمل المطلوب من التحالف ما زال كثيرا.

يجب أن نضاعف جهودنا من أجل جسر الهوة بين الثقافات، وتعزيز التفاهم الثقافي ومشاعر الثقة والاحترام المتبادل بين المجتمعات وداخلها على جميع المستويات، سواء كانت الدولية أم الإقليمية أم القومية أم المحلية، وفي جميع المجالات من التعليم إلى الشباب والإعلام.

في المجتمعات الديمقراطية، وبشكل متزايد حول العالم، يحق للجميع المطالبة بحقوقهم.. فلنجمع أصواتنا معا، ونعمل معا من أجل التعامل بطريقة مناسبة مع ازدياد التطرف والكراهية بناء على الدين والخطاب الذي يحض على الكراهية، وكلها عوامل تقوض تطلعات الناس إلى حياة أفضل ينعمون فيها بالكرامة والحرية والأمن. ويجب أن نتحلى بالجرأة ونعمل فورا من أجل تحقيق إمكانية التعايش معا مع تنوعنا وبناء على الحوار والاحترام والسلام على أرض الواقع.

* الرئيس البرتغالي السابق وممثل الأمم المتحدة الأعلى لتحالف الحضارات

* خاص بـ«الشرق الأوسط»