خيالات الجنرال والملا والجيش

TT

ماذا ستفعل إيران إذا تعرضت لهجوم إسرائيلي، كما هدد بنيامين نتنياهو؟

ربما يكون الميجور جنرال محمد علي رضا جعفري، قائد قوات الحرس الثوري الإيراني، الشخص الأقدر على الإجابة عن ذلك التساؤل. ففي المؤتمر الصحافي الذي عقد يوم الأحد الماضي قدم جعفري بصورة غير متوقعة إجابة مفصلة.

وفي فبراير (شباط) الماضي، أدلى الجنرال بحديث آخر زعم فيه أن إيران تواجه تهديدين بهجمات جوية إسرائيلية وغزو أميركي شامل. ثم قدم تفصيلا لاستراتيجيته في التعامل مع الغزو الأميركي من خلال حرب عصابات في الأقاليم الإيرانية جنوب سلسلة جبال زاغروس.

يبدو جعفري في الوقت الراهن متشككا إزاء إمكانية غزو الولايات المتحدة لبلاده، على الأقل في ظل وجود أوباما في سدة الحكم. وقال جعفري: «كان النظام الصهيوني يحاول على الدوام إقناع أميركا بالقيام بعمل عسكري ضد إيران. وتقييمنا أن إسرائيل لن تنجح في ذلك». لكن التهديد بعمل عسكري إسرائيلي لا يزال قائما، ولذا أكد الجنرال على أنه يملك خطة للتعامل مع ذلك.

الخطط التي وضعها جعفري تبدو غريبة لأنها لم تشتمل على رد إيراني مباشر ضد إسرائيل. حيث أوضح الجنرال أنه إذا ما تعرضت إيران لهجوم من إسرائيل فسوف ترد إيران بالهجوم على أهداف أميركية، وسيشمل الرد أربعة محاور.

المحور الأول سيكون دبلوماسيا حيث ستنسحب الجمهورية الإسلامية من معاهدة منع الانتشار النووي، وتسرع في عملية تخصيب اليورانيوم. وهو ما قامت به كوريا الشمالية في التسعينات ردا على الضغوط الأميركية. بيد أن هذه الخطوة سيكون من الصعب تبريرها على أسس دبلوماسية. ولأن إسرائيل غير موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، فإن أفعالها لن تقلق الدول الموقعة عليها. وبالانسحاب من المعاهدة ستستعدي إيران الدول التي لا علاقة لها بالأفعال الإسرائيلية.

المحور الثاني هو إغلاق مضيق هرمز لخلق حالة من الهلع النفطي وتدمير الاقتصاد الأميركي. لن تتأثر إسرائيل لأنها تستورد النفط من نيجيريا وأنغولا والغابون. ومع الافتراض بأن الجنرال قادر على غلق المضيق، فستكون الدول الأكثر تأثرا بإغلاق المضيق العراق والكويت وقطر، وأخيرا وليس آخرا إيران ذاتها. تصدر الإمارات جزءا من نفطها عبر خط أنابيب جديد إلى الفجيرة، بينما تحافظ السعودية على منشآت تصدير نفطها على البحر الأحمر.

وبموجب القانون الدولي، سيكون إغلاق مضيق هرمز عملا حربيا يستوجب ردا من مجلس الأمن. وستضع هذه الخطوة إيران في حالة حرب مع عُمان التي تسيطر على البوابة الجنوبية للمضيق، وإذا ما تحقق الهلع النفطي فسوف تواجه إيران عداء من 170 دولة مستوردة للطاقة.

المحور الثالث في الرد الاستراتيجي للجعفري يتكون من هجمات صاروخية على القواعد الأميركية والأسس العسكرية والمصالح الاقتصادية في المنطقة.

تباهى جعفري بشأن نجاح الحرس الثوري الإيراني في تطوير أجيال جديدة من صواريخ «زلزال» التي يصل مداها إلى 300 كيلومتر، وصواريخ «رعد» التي يصل مداها إلى 27 كيلومترا، يضاف إلى ذلك طائرات «بهباد» من دون طيار المزودة بصواريخ «السديد». لكن الترسانة التي كشف عنها جعفري تتكون من أسلحة عملياتية، وهو ما يعني أنها تستخدم فقط في منطقة محدودة، وإذا ما أطلقت من أراض إيرانية فلن تصل أي منها إلى إسرائيل. لكنها قد تصيب القواعد العسكرية الأميركية والمصالح الاستراتيجية في أذربيجان والعراق والكويت والسعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وعمان.

وستكون أضخم قاعدة للناتو في إنجرليك بتركيا في مرمى نيران إيران. يعني ذلك أن استراتيجية جعفري ستضع إيران في حرب ليست مع الولايات المتحدة فحسب، بل مع كل جيرانها، ناهيك عن الدول المستوردة للنفط والأمم المتحدة.

وبعبارة أخرى: ستضع خطط جعفري العالم كله إلى جانب إسرائيل ضد إيران.

ويظل اعتقاد جعفري أن الولايات المتحدة لن تتحرك للدفاع عن قواعدها العسكرية والمصالح الاقتصادية ضد الصواريخ الإيرانية والهجمات الصاروخية مثار تساؤل.

وسيكون من الحكمة الاعتقاد بأن الولايات المتحدة، حتى في ظل إدارة أوباما، ستكون مجبرة على الرد دفاعا عن نفسها، وهو ما سيزيد الصراع إلى مستويات تتضاءل فيها فرص فوز جعفري في كل ساعة.

أشار جعفري إلى أن إسرائيل فشلت في إقناع أميركا بالقيام بعمل عسكري ضد إيران. لكن استراتيجيته ستجبر الولايات المتحدة على القيام تحديدا بما كان يفترض بنتنياهو القيام به، ومن ثم يقوم جعفري بافتراض خطير كبير. وقال: «لا نعتقد بإمكانية رد عسكري أميركي موسع ضد إيران تحت أي ظرف من الظروف».

ولم لا؟

قال: «لأنهم يعلمون جيدا أنهم سيُهزمون».

هذا هو الحديث غير المسؤول من النوع الذي استخدمه القادة اليابانيون عندما جروا بلادهم إلى حرب غير ضرورية مع الولايات المتحدة. الحكمة تملي الاعتقاد بأنه إذا هاجمت إيران القواعد الأميركية وقتلت أميركيين، سترد أميركا بعمل عسكري موسع».

لكن ماذا عن إسرائيل في كل ذلك؟

يقول الجنرال إنه أوكل هذه المسألة إلى حزب الله، الميليشيا التي أنشأتها إيران في الثمانينات. وبحسب أفضل التقديرات يمتلك حزب الله 3000 مقاتل تم تجنيدهم وتدريبهم على أيدي الحرس الثوري الإيراني للقيام بشن حروب عصابات.

بيد أن جعفري لا يعتمد على هؤلاء المقاتلين، فهو يعلق آماله على آلاف الصواريخ والقذائف التي حشدتها إيران في لبنان لاستخدامها ضد إسرائيل.

لكن حتى مع الافتراض بأن تلك الصواريخ يمكن استخدامها بنجاح، يبقى التوقيت محل تساؤل؛ فهل ستطلق الصواريخ قبل هجوم إسرائيل وتدمير المواقع النووية الإيرانية، أم بعده؟

إذا ما أطلقت الصواريخ قبل ذلك، سيكون الموقف مختلفا، حيث ستدعي إسرائيل شرعية الدفاع عن النفس وتتحرك إلى لبنان لتفكيك حزب الله، وسيتم تأجيل الهجوم على إيران ذاتها حتى يتم القضاء على حزب الله. وحتى وإن انطلقت الصواريخ كعمل انتقامي بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران فستكون ذات أهداف عسكرية محدودة.

اشتهر جعفري قبل تعيينه قائدا لقوات الحرس الثوري بالبراعة في التكتيك الحربي. فهل لا يزال متوقفا عند مستوى لم يتمكن معه من تطوير تحليل استراتيجي للخيارات والقدرات والتهديدات التي تواجهها إيران؟

أنا أشك في ذلك، فهو رجل ذكي، وإذا صور عالما من الخيالات العسكرية فلأن حلفاءه السياسيين، وعلى رأسهم علي خامنئي، فقدوا كل اتصال مع الحقيقة.