وَيْ!! لماذا يسيئون إلى نبي دافع عن أنبيائهم؟!

TT

أولاد كثيرون في الغرب، يعقّون والديهم عقا قاسيا مجردا من الرحمة والإنسانية والوفاء: يعقونهم بالتأفف منهم (أفّ.. أفّ). ويعقونهم بإهمالهم ومقاطعتهم وهجرانهم إلى آخر لحظة في حياتهم، بل يعقونهم بعد موتهم. فمن هؤلاء الأولاد النحس من لا يمشي في جنازة أمه وأبيه، بل ربما كان في حفلة صاخبة في لحظة الدفن!!.. ولهذا العقوق أسباب كثيرة منها - كما يقول بريجنسكي - «الضجر» الشديد من تحمل أي مسؤولية أخلاقية تجاه الآخرين، حتى ولو كانوا الأمهات والآباء.

ومنهم من يمارس هذا الموقف من أنبيائهم، فلا يقيمون للأنبياء وزنا، ولا يعرفون لهم قدرهم ومكانتهم وقدسيتهم. فقد تطاولوا - في أفلامهم ومسلسلاتهم الساخرة - على سيدنا المسيح عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم - وطعنوا فيه، وسخروا منه.. وإن تعجب فعجب: إنهم يريدون أن نقلدهم في سلوكهم تجاه والديهم، وتجاه أنبيائهم.. لقد استغرب أقوام منهم من غيرة المسلمين على مقام نبيهم الذي أساء إليه فيلم شرير في أميركا. ومن الأسئلة التي تعبر عن استغرابهم من موقف المسلمين: لماذا كل هذا الغضب على ذلك الفيلم، وعلى من وراءه؟!

إنهم يريدون أن نقلدهم حتى في هذا الجمود والسفه، فإن أبينا استغربوا وتعجبوا!! وكأن جحودهم لوالديهم، و«قلة أدبهم» مع أنبيائهم قدوة حسنة لنا!!

لماذا يصر فريق في الغرب (ونمسك عن التعميم لأنه ليس واقعيا ولا صحيحا).. لماذا يصر فريق منهم على أن نقتدي بهم في هذه التعاسة الاجتماعية والعقدية؟!

ونحن - بحمد الله - سنعتصم بمنهجنا: العاصم من تقليدهم ومحاكاتهم في هذه التعاسات.

وما هو هذا المنهج؟

أولا - هو: أننا نحن المسلمين مأمورون بأن نعامل والدينا بالحسنى أبدا. ولقد قرن الله الإحسان إليهم بتوحيده - جل ثناؤه - فقال: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا».. ثم نحن المسلمين مأمورون بالحفاظ على «الصورة الجميلة الوجيهة» للأنبياء أجمعين، ومنهيون - في الوقت نفسه - عن تقليد أقوام تعساء: شوهوا صورة أنبيائهم: «يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها».

ثانيا: أن من مقاصد الإسلام: تقديم الأنبياء والمرسلين في أجمل صورة، والتعريف الحق بهم كما ينبغي التعريف الحق الموحي بحبهم والاقتداء بهم.

ولنأخذ مثلا من تقديم منهج الإسلام للنبي العظيم عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، والتعريف الكريم به:

1) التعريف بمعجزة ميلاد المسيح: «فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا. يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا. فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا. قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا. وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا. وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا».

2) التعريف بشخصيته الجميلة الوجيهة: «إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين».

3) التعريف بإعجاز نبوته: «إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني».

4) التعريف بالإنجيل الذي أنزل عليه: «وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين».

5) التعريف بمنهجه ودعوته، إذ هو منهج يدعو إلى توحيد الله عز وجل: «ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم» وهو منهج يعلم الناس الحكمة، ويبصرهم بمعايير رفع الخلاف: «ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه».

ثانيا: في هدي القرآن: نهض نبي الإسلام - صلى الله عليه وآله وسلم - بتقديم أخيه المسيح عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - في الصور الجميلة التالية فقال:

أ) «بينما أنا نائم أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر يهادى بين رجلين ينطف رأسه من الماء فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا ابن مريم».

ب) نعت نبينا أخاه المسيح فقال: «ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس»، أي حمام: كناية عن الإشراق والنقاء والوضاءة.

ج) وقال: «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة. والأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد».

ثالثا: الربط المنهجي والعقدي بين الإيمان بمحمد والإيمان بعيسى ابن مريم. قال نبي الإسلام: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل».. قال الإمام النووي - وهو أحد علماء الإسلام الكبار - في شرح هذا الحديث: «هذا حديث عظيم الموقع وهو من أجمع الأحاديث المشتملة على العقائد».

وفي سياق منهج التعريف بنبي الله العظيم عيسى ابن مريم تولى القرآن: التعريف المنصف الشريف بأمه البتول الطاهرة: مريم ابنة عمران، فقد تعرضت هذه المرأة العالية القدر لمطاعن شنيعة من غلاة اليهود الذي لا يطيقون سيرة الأطهار من النساء والرجال فيعمدون إلى تشويهها والإساءة إليها بشتى الوسائل: القديمة والحديثة!

نقرأ في القرآن:

أ) أن مريم ابنة عمران هي المحفوظة من الشيطان: «وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم».

ب) وهي المكرمة بكرامة الله لها وبخوارق العادات: «كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزق قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب».

ج) وهي المطهرة المصطفاة على نساء العالمين: «وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين».

د) وهي القانتة الساجدة الراكعة: «يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين».

هـ) وهي المبشرة بالمولود العظيم: «وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين».

و) وهي المرفوع ذكرها في القرآن: «واذكر في الكتاب مريم إذا انتبذت من أهلها مكانا شرقيا».

ز) وهي آية للعالمين: «وجعلناها وابنها آية للعالمين».

ذلك كله برهان مبين على التوكيد على مسؤولية المسلمين الأخلاقية تجاه أنبياء الله جميعا، وليس تجاه نبيهم محمد - فحسب - صلى الله عليهم جميعا وسلم.

وليس بصحيح - لا عدلا ولا عقلا - أن يدافع المسلمون عن مقامات الأنبياء جميعا، ولا يدافعوا عن مقام نبيهم، ذلك أن قبول الطعن في نبي واحد يعني قبول الطعن في الأنبياء جميعا، ومن هنا لا يجوز التفريق بين نبي وآخر، في الإيمان به والدفاع عنه - . فقد نصت خواتيم سورة البقرة على عدم التفريق: «لا نفرق بين أحد من رسله».

أليس من حق النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء بدين يقدم الأنبياء والصديقين في الأمم كلها في أجمل صورة.. أليس من حق هذا النبي الطيب الصادق الأمين، على البشرية كلها أن تقدره، وتعرف له حقوقه، وإن لم تؤمن به؟

وهل من العدل والعقل والضمير: الإساءة إلى نبي جاء برسالة تدعو إلى الإيمان بالأنبياء جميعا، وتعلي قدرهم، وتدافع عن حرماتهم ومقاماتهم؟

حقا: إن الإساءة إلى النبي محمد إنما هي إساءة إلى الأنبياء جميعا. وإذ ندفع عن نبينا، فإنما ندفع - في ذات الوقت ولذات السبب - عن أنبياء الله كلهم بلا استثناء. ومن هنا كانت مشروعية الدفاع عن خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.