دروس من لعبة حرب افتراضية إيرانية ـ أميركية

TT

ربما لم تكن لعبة الحرب الأميركية - الإيرانية سوى «ضباب من المحاكاة»، لكن من أكثر الجوانب المثيرة للرعب فيها، والتي ظهرت خلال الأسبوع الحالي، هو فشل كل طرف منهما في حساب رد فعل الطرف الآخر، واتجاهه نحو الحرب على الرغم من اعتقاد اللاعبين أنهم يتبنون خيارات تحجمها القيود. ونظم كينيث بولاك، زميل رفيع المستوى في مركز «سابان» لسياسات الشرق الأوسط التابع لمعهد «بروكينغز»، الأفعال الخاصة بالجانب الإيراني. وشارك في المحاكاة مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى منهم صناع سياسة في واشنطن، وخبراء إيرانيون - أميركيون بارزون ويقومون بالدور الإيراني في المحاكاة. وسمح لي بالمراقبة شريطة أن لا أذكر أسماء المشاركين.

الخلاصة التي خرجت بها هي أن اللعبة أوضحت كم فشل كل طرف في قراءة الإشارات التي يرسلها الطرف الآخر بسهولة. وكان لا يفصل بين هؤلاء اللاعبين سوى ردهة في مركز أبحاث بواشنطن، لا نصف العالم. وكانت إساءة الحكم على الأمور هي السمة الأساسية لهذه اللعبة، فكل طرف كان يظن أنه يختار من بين خيارات محدودة، لكن كان يتم تفسير الخطوات التي يتخذها كل منهما بأنها تجاوز للخطوط الحمراء. وثبت أن الهجمات كانت مهلكة إلى درجة أكبر من المتوقع، ولم يتم التقاط الإشارات، وتم تجاهل محاولات فتح قنوات تواصل، وأدت الرغبة في الظهور بمظهر الطرف الصارم إلى أفعال لم تكن نتيجتها مرغوبا فيها من أي طرف من الأطراف.

لنقم بجولة داخل تجربة المحاكاة لمعرفة كيف تعثر كل فريق في صعوده للسلم. وتم ضبط توقيت أحداث هذه اللعبة لتكون في يوليو (تموز) عام 2013، وقامت على بعض الافتراضات الكبيرة، منها إعادة انتخاب الرئيس أوباما، واستمرار جمود مفاوضات مجموعة الخمسة زائد واحد وعدم توجيه إسرائيل ضربة أحادية الجانب ضد إيران.

وأضاف المتحكمون في اللعبة بعض التفاصيل الساخنة مثل استمرار اغتيال علماء إيرانيين واختراع الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا سلاحا إلكترونيا جديدا.. الاسم الكودي لهذا السلاح الافتراضي هو: «ناشونال باستايم» (الماضي القومي) لقطع الكهرباء عن المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية. حتى في تلك الحالة، كان المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية يعتقد أن أميركا لم تكن سوى نمر من ورق، حيث قال للمساعدين الأميركيين: «لقد أنهك الأميركيون من القتال، حيث يقودهم رجل ضعيف ليست لديه القدرة على خوض الصراع».

على الجانب الآخر، كانت إيران تحرز تقدما في برنامجها النووي، حيث كان لديها تصميم مبدئي لسلاح، وفي غضون فترة تتراوح بين ثلاثة وأربعة أشهر كان لديها من اليورانيوم عالي التخصيب ما يكفي لصنع قنبلتين نوويتين. وبدأ القتال في السادس من يوليو (تموز) بعملية إرهابية إيرانية، تم خلالها استخدام قنبلة لتدمير فندق سياحي في أوروبا، مما أسفر عن مقتل 137 شخصا أغلبهم من الأميركيين، ومن ضمنهم عالم نووي أميركي كان يقضي إجازته. وكان حجم الدمار الذي لحق بالفندق يفوق توقعات الإيرانيين.

وأوصى الفريق الأميركي بضرورة وجود تحركات انتقامية قوية لتحذير إيران من أنها قد تعدت «حدودا غير مقبولة». وقامت الولايات المتحدة بقصف معسكر تابع للحرس الثوري في شرق إيران، كما شنت هجوما إلكترونيا أدى إلى تعطيل الكهرباء في 40 منشأة أمنية إيرانية، وحذرت عناصر إيرانية في 38 دولة مختلفة من أنهم معروفون ومعرضون للهجوم. ومع ذلك، اشتكى قادة عسكريون أميركيون من أن هذه التحركات التدريجية لا ترتقي إلى التدابير التي يتعين اتخاذها ولا تحقق الأهداف المرجوة.

واهتز الفريق الإيراني بقوة عقب القصف الأميركي على طهران، وتعدى هذا الهجوم الخط الأحمر بطريقة لم يكن يتوقعها الجانب الأميركي. ورفض اللاعبون الإيرانيون رسالة سرية من أوباما، تسلموها عن طريق روسيا، تحذرهم من «عواقب وخيمة» إذا لم يتم إيقاف البرنامج النووي الإيراني، ووصف وزير الدفاع الإيراني الافتراضي هذه الرسالة بأنها «خدعة». وكان الإيرانيون يريدون الرد بقوة، ولكن ليس بالدرجة التي تتسبب في شن هجوم على منشآتهم النووية.

ثم قام الفريق الإيراني بشيء ثبت فيما بعد أنه خطأ قاتل، فبعدما رفض أكثر الخيارات عدوانية (مثل مهاجمة مقر الأسطول الخامس في البحرين)، فضل القيام بإجراءات محدودة، مثل «زرع الألغام بشكل عشوائي» في مضيق هرمز و«مضايقة» السفن الأميركية في الخليج العربي. وتخلص الإيرانيون من نصف مخزونهم من اليورانيوم، في إشارة إلى أنهم لا يزالون على استعداد للتفاوض، ولكن الولايات المتحدة لم تفهم تلك الرسالة.

وردا على ذلك، قال مستشار الأمن القومي الأميركي الافتراضي: «لقد تجاوزوا الخطوط الحمراء»، مشيرا إلى أن الإيرانيين قد أخطأوا عندما قرروا إغلاق مضيق هرمز والهجوم على السفن الأميركية. ونتيجة لتزايد تلك التوترات، ارتفعت أسعار النفط لتصل إلى 200 دولار للبرميل.

وكانت الخيارات العسكرية الأميركية قاسية للغاية، حيث كان الخيار الأول يتمثل في إعادة فتح المضيق بالقوة وتحذير إيران بإيقاف برنامجها النووي في غضون 24 ساعة، في حين كان الخيار الثاني هو ضرب المنشآت النووية الإيرانية بالتزامن مع إعادة فتح المضيق، ويبدو أن المنطق العسكري كان يميل إلى الخيار الثاني. وفي نهاية المطاف، جاء تصويت الفريق الأميركي بنسبة 5 إلى 3 لصالح شن هجوم لتعطيل البرنامج النووي وتدمير الدفاعات الساحلية. وكان اللغز الذي لم يجد الأميركيون حلا له يتمثل في كيفية وقف الصراع، بمجرد أن يبدأ، حيث يسعى الإيرانيون من جانبهم إلى استنزاف الولايات المتحدة في صراع طويل. وخلص بولاك إلى أن الدرس المستفاد من هذه العملية هو أن «الحسابات الخاطئة الصغيرة يمكن أن تتنامى بسرعة كبيرة».

* خدمة «واشنطن بوست»