رابطة الكتاب السوريين.. الرأي قبل شجاعة الشجعان

TT

عقد أول منتدى لرابطة الكتاب والشعراء والمفكرين السوريين في القاهرة في الفترة من 16 إلى 17 سبتمبر (أيلول). وكنت واحدا من المشاركين فيه. كانت مقابلة الكتاب السوريين والحديث معهم ومشاهدة القاهرة بعد الانتخابات الرئاسية فرصة مهمة بالنسبة لي. من الواضح أنه عندما ينظم الكتاب والشعراء لقاء خارج أرض الوطن، يوضح هذا أن ثمة فجوة ضخمة بينهم وبين حكومتهم. استخدموا عنوان «رابطة الكتاب السوريين».

ولهذا العنوان خلفية تاريخية؛ في عام 1951، للمرة الأولى، كون كتاب سوريا رابطة وأطلقوا عليها هذا الاسم. لكن الآن، هناك رابطتان، إحداهما في دمشق، وعقد أول اجتماع للرابطة الثانية في القاهرة. تجدر الإشارة إلى أن الرابطة الأولى تدعم نظام بشار، بينما تدعم الثانية الثورة السورية.

أسس أكثر من مائة مفكر سوري رابطة الكتاب السوريين، قائلين إن المجموعة المستقلة ستكون مفتوحة لكل الكتاب السوريين، كما أنها ستسمح للكتاب العرب وغير العرب الذين يدعمون ثورة الشعب السوري ضد نظام الأسد بالانضمام لعضويتها. كان الشاعر المغربي الشهير، حسن نجمي، والروائي سلامة كيلة، المفكر الفلسطيني الذي أمضى ثماني سنوات في سجن سوريا، من بين الضيوف أيضا. منحت الرابطة الكتاب السوريين فرصة للتعبير عن آرائهم بقوة، كاشفين للعالم ما يحدث بحق في بلدهم. كذلك، سوف يساعد هذا في جعل الكتاب يقومون بدور فعال في دعم الثورة داخل سوريا، وسوف يمنحهم الفرصة لاستعادة الدور الفكري في المجتمع. على سبيل المثال، عندما قرأ أحمد حسيني قصائده الكردية، كان من الواضح جليا أننا إزاء سوريا جديدة.

تم انتخاب صادق جلال العظم رئيسا لرابطة الكتاب السوريين. وقد شرح فكرته بوضوح شديد: «أولا وفي المقام الأول، تسعى الرابطة إلى التخلص من الاتحادات والرابطات الموالية للنظام».

بعبارة أخرى، فإن الفيلسوف السوري، بوصفه رئيسا لرابطة الكتاب السوريين وأحد مؤسسيها، يعتبرها «رابطة مستقلة تسعى للتغلب على الفترة التي كانت فيها الاتحادات والرابطات ذات صلة بالأنظمة». في الماضي، بوصفي وزيرا للثقافة في إيران، زرت اتحاد الكتاب العرب في دمشق. وعندما أعود بذاكرتي إلى تلك الفترة، أجد أنني قد اعترتني الدهشة في البداية عندما لاحظت أن مبنى الرابطة ضخم جدا، أتذكر أنه كان مؤلفا من ستة أو سبعة طوابق. سألت رئيس الرابطة عن كيفية تمكنه من تحمل تكلفة مثل ذلك المبنى الضخم. أجاب بأنه كان هدية من حافظ الأسد. قلت لنفسي ألن يتسبب قبول تلك الهدية في مشكلات بالنسبة للرابطة؛ إذ إنهم بهذه الطريقة، يعيشون في ظل عطايا الأسد طوال الوقت؟

وكما أسلفت، فقد كنت مؤخرا في القاهرة للمشاركة في رابطة الكتاب السوريين، إنهم لا يعملون تحت رعاية النظام، وهذا يعني أن الرابطة تسير على الطريق الصحيح. ليست وظيفتها هي تجميل وجه الاستبداد، مثلما تفعل الرابطات الموالية للنظام. بل تنتقد النظام وتحارب الأنظمة الاستبدادية.

في المقام الأول، يحتاج الكتاب والشعراء والفنانون والمفكرون إلى إظهار أن معاركهم وجهودهم ليست سعيا للسلطة، وإنهم ليسوا حزبا أو مجموعة مسلحة. ركز المهندس وليد الزعبي - راعي الحدث – على نقطة مهمة في محاضرته التي ألقاها في الدورة الأولى: «الرأي قبل شجاعة الشجعان».

جاءت هذه العبارة في أول بيت من قصيدة المتنبي:

* الرأي قبل شجاعة الشجعان - هو أول وهي المحل الثاني

* فإذا هما اجتمعا لنفس حرة - بلغت من العلياء كل مكان

* وفي محاضرتين، ركزت على علاقة ثلاثية! ألا وهي العلاقة بين الحكمة والقلم والسلاح! يجب أن تتوافق تلك العناصر الثلاثة مع بعضها البعض. يقول الإمام علي: «رأي الشيخ أحب إلي من مشهد الغلام». نحن نحتاج أفكارا ورؤى لتقودنا نحو مستقبل أفضل. لهذا، فإن جوهر الثقافة هو الحكمة، وجوهر السلطة هو العنف. على سبيل المثال، يعتبر العنف هو الاستراتيجية الرئيسية للحكومة السورية. وفي إيران، قيل إن استراتيجية الحكومة ترتكز على مبدأ: النصر بالرعب.

على النقيض، يجب أن تكون الثورة ضد العنف. منذ فترة، قرأت مقالا رائعا في صحيفة «الوطن» الليبية، ولسوء الحظ، لم يكشف كاتب المقال عن اسمه الحقيقي، بل استخدم اسم «ابن الوطن» كاسم مستعار: إن العنف مقبرة الثورات! ومقتل الثائر في عنفه! ومن استخدم العنف مات به! وخير دليل على ذلك هو المقتول «القذافي» الذي قتله عنفه ودمويته!.. إن الثورة إذا فقدت إنسانيتها وقيمها الأخلاقية تصبح بلا قيمة ولا معنى!!

الآن، نحن إزاء حقيقة أن الكثير من الكتاب والشعراء والمفكرين والفنانين يدعمون الشعب السوري. يبدو لي أن رابطة الكتاب السوريين يمكن أن تلعب دورا مهما في تاريخ سوريا.

لقد طلب خمسون كاتبا مصريا الانضمام إلى الرابطة السورية الجديدة كتعبير عن تضامنهم مع الشعب السوري، وكان من بين الحاضرين منهم بهاء طاهر ورضوى عاشور وعبد الرحمن الأبنودي.

كذلك، أعلن نحو مائة كاتب فلسطيني عن تضامنهم مع الثورة وأصدروا بيانا يطلبون فيه الانضمام إلى الرابطة الجديدة، وتضم المجموعة شخصيات فلسطينية بارزة مثل عزمي بشارة والشاعر مريد البرغوثي. إضافة إلى ذلك، فقد أدار كتاب وشعراء مصريون لقاء في مقهى ريش في ميدان طلعت حرب، كانت بمثابة أمسية شعرية. كانت تلك أول مرة أزور فيها مقهى ريش، أحد أشهر مراكز الثقافة والأدب غير الحكومية. قلت لنفسي إن هذه القاعة الصغيرة في مقهى ريش تعتبر أعلى برج في القاهرة! قرأ علينا بعض الشعراء السوريون والمصريون والأردنيون والمغربيون قصائدهم. كان صوت الثقافة والأدب عاليا وواضحا هناك. مثلما نعلم، في البداية، كانت هناك كلمة، وفي النهاية، ستبقى الكلمة فقط. يعتبر الساسة ضيوفا عابرين على التاريخ، بينما يعد المفكرون والشعراء والكتاب هم الملاك الدائمون لأرض التاريخ.

يعيش سيف الدولة في كنف المتنبي في ديوانه! وهذا هو الدور البارز للثقافة. ليس ثمة أدنى شك في أن رابطة الكتاب السوريين سوف تضطلع بدور مؤثر في مستقبل سوريا. إن سوريا أكبر بكثير من مجرد أسرة بشار والنظام. لقد سمع صوت إبراهيم قشوش وحمزة الخطيب وعلي فرزات أخيرا.