المملكة العربية السعودية: من نجاح إلى نجاح

TT

في الوقت الذي أكتب فيه مقالي، تحتفل المملكة العربية السعودية بالذكرى الثمانين لتأسيسها في الثالث والعشرين من سبتمبر (أيلول) عام 1932. وأود أن أبعث بالتهاني لكل من يعيش في المملكة العربية السعودية. وسأبدأ مقالي الأسبوعي بتوجيه الشكر إلى سمو الأمير محمد بن نواف آل سعود لدعوتي للمشاركة في فعاليات الاحتفال باليوم الوطني في السفارة السعودية بلندن. وتمثل هذه الدعوة فرصة لتأمل فرص المملكة من الناحية الدولية.

لقد كتب رئيس تحرير صحيفة «عرب نيوز» العام الماضي موضحا تأملاته الشخصية عن معنى هذا اليوم: «في تقديري ينبغي النظر إلى ذلك اليوم بوصفه فرصة للتأمل، فنحن لا نتذكر فقط المراحل المختلفة لبناء الدولة والتدعيم والإنجاز، لكننا نتطلع أيضا للمستقبل وكل ما يرتبط به من تحديات. ستكون القدرة على مواجهة هذه التحديات خلال السنوات المقبلة أكبر وأكثر تنوعا مما نتصور. مع ذلك، علينا أن نكون على مستوى الحدث ونواجه تلك التحديات سريعا».

لذا، من المناسب أن نتفكر خلال الأسبوع الحالي في «ما نحن مقبلون عليه من تحديات». ويصف محللون سياسيون الملك عبد الله بأنه أكثر ملك يحظى بالشعبية في المملكة بفضل إصلاحاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فقد أصدر الملك عبد الله في بداية عام 2011 مجموعة من المراسيم الملكية أعلن فيها عن تنفيذ عدد من مشروعات الرعاية الاجتماعية. ولا يوجد أدنى شك في أن زيادة الإنفاق في الاقتصاد السعودي القوي موجهة نحو قضايا اجتماعية ومساعدة المنطقة.

وصرح صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي في تقرير «آفاق الاقتصاد العالمي» الذي يصدر سنويا بوجود احتمالات كبيرة لاستمرار ازدهار الاقتصاد السعودي، حيث بلغ معدل النمو الاقتصادي العام الماضي 7.1 في المائة، وتم تسجيل نمو قدره 8 في المائة في القطاعات غير النفطية، وهو أعلى مستوى منذ عام 1981. وحقق القطاع الخاص نموا نسبته 8.5 في المائة، خاصة في قطاعي البناء والتصنيع. ويشير آخر الإحصاءات إلى أن إجمالي الناتج المحلي للسعودية وصل إلى 2.2 تريليون ريال سعودي بزيادة نسبتها 31.4 في المائة. إن هذا لإنجاز مذهل في ظل المناخ الاقتصادي الحالي. إن المملكة العربية السعودية تنتقل من نجاح إلى نجاح. السحابة الوحيدة التي تلوح في الأفق هي استمرار هيمنة قطاع النفط على الاقتصاد. وتأتي السحابة على شكل إخطار قائم على بحث من مصرف «سيتي بنك» يشير إلى مخاطرة المملكة العربية السعودية بأن تكون مستوردا للنفط في غضون 20 عاما. استهلاك الفرد للطاقة في السعودية أعلى بالفعل من استهلاك الفرد في الدول المتقدمة، وأشارت نتائج بحث أجرته وكالة «بلومبيرغ» إلى أن استهلاك الطاقة في السعودية وصل إلى ضعف معدل النمو السكاني. وتستهلك البلاد بالفعل ربع إنتاجها من النفط، وكل ما تنتجه من الغاز الطبيعي. أنا لست محللا في مجال النفط، لكن ينبغي أن يتم وضع ذلك في الاعتبار ليكون بمثابة حافز لزيادة الجهود المبذولة من أجل التنوع.

تشعر المملكة العربية السعودية بطبيعة الحال بالقلق من هذا وتعمل بجد واجتهاد على مدى العقد الماضي من أجل خلق بيئة تشجع على المخاطرة والإبداع وصناعة القيمة. ويحظى أصحاب المشروعات الرائدة الصغيرة بدعم كبير. وتساهم كل القطاعات في تأسيس ثقافة المشروعات الصغيرة في البلاد، مثل «جائزة الأمير سلمان لأعمال الشباب»، و«مركز ريادة الأعمال الوطني»، و«الهيئة السعودية العامة للاستثمار»، التي أنشأت قائمة المائة شركة الأسرع نموا.

وتحث المملكة العربية السعودية القطاع الخاص على النمو من أجل تحقيق التنوع في الاقتصاد وتوظيف المزيد من المواطنين السعوديين. ويضطلع نحو 6 ملايين عامل أجنبي بدور مهم في دعم الاقتصاد السعودي، خاصة في قطاع النفط والقطاعات الخدمية، في الوقت الذي تحاول فيه الرياض جاهدة الحد من البطالة بين مواطنيها.

في الدول التي بحاجة إلى توفير عدد كبير من فرص العمل لمواطنيها، هناك احتمال أن تصبح صاحب مشروع صغير في ظل التوجه نحو تطوير التدريب المهني والتنموي اللازم لدعم البرامج المحلية مثل «نطاقات» وهو برنامج سعودة بدأ تطبيقه في شهر يونيو (حزيران) من العام الماضي.. وهو برنامج مهم لأنه من المستحيل أن يلتحق جميع الشباب بالجامعات ولا ينبغي لهم، وهذا يؤدي إلى فجوة في التدريب يجب أن يتم ملؤها حتى يتسنى للمواطنين السعوديين أن يكونوا ضمن القوى العاملة التي تحتاجها الدولة. وتتطور الأعمال الجديدة في اقتصادات الدول المتقدمة في شبكات جغرافية من الأعمال والموردين والمؤسسات ذات الصلة في مجال بعينه وكثيرا بالاشتراك مع الأعمال الصغيرة. ويُنظر إلى الشبكات على أنها فرصة لزيادة الإنتاجية التي تمكّن الشركات من التنافس على المستويين المحلي والعالمي. من شأن الربط بين التفوق الأكاديمي والتدريب المهني أن يشجع هذه الأعمال والمشروعات الجديدة.

ويمثل انتشار البطالة بين الشباب مشكلة عالمية، ومن أهم أسباب ذلك غياب المؤهلات في بعض القطاعات بالمجتمع في بريطانيا، مثلها مثل أكثر الدول الأخرى. ويوجد في بريطانيا قوى عاملة مستواها التعليمي جيد، لكن يوجد بها أيضا شباب لا يتمتعون بأي مهارات وسيكونون عاطلين عن العمل على الأرجح. ويركّز المسؤولون في السعودية بوجه خاص على توظيف أكبر عدد ممكن من المواطنين، الذي لم يحظ أكثرهم بقدر جيد من التعليم ولا يتمتعون بما يحتاجه القطاع الخاص من مهارات فنية.

ويؤدي غياب المهارات المناسبة الضرورية من أجل القيام بالوظائف الضرورية إلى وجود بطالة بين فئات المجتمع المختلفة. وسعيا لحماية الأشخاص من مصاعب البطالة، تقوم الدولة القادرة بتخفيف معاناة مواطنيها من خلال منحهم إعانة بطالة. مع ذلك، من المهم تفادي إرساء ثقافة الاعتماد على إعانة البطالة لأنها ليست حلا طويل المدى كما تبين في بريطانيا. لقد صنعت بريطانيا مشكلة جديدة دون قصد وهي غياب قيمة العمل في القطاع المنزلي، حيث توجد عائلات كاملة لم تعمل لأكثر من جيل. وتعالج بريطانيا هذه المشكلة حاليا من خلال نهج جديد لإصلاح نظام الإعانات بحيث يتم توفير فرص لمن تم إقصاؤهم أو تهميشهم من عالم العمل. وينخرط القطاع الخاص حاليا في وضع برامج للتدريب التنموي والمهني حتى يتمكن المواطنون من اكتساب المهارات التي يطلبها أصحاب العمل. ويجب أن يعد النظام التعليمي الأشخاص لسوق العمل. يناسب التعليم الجامعي البعض دون البعض الآخر. في كل الأحوال، يحتاج تحقيق التوازن في الاقتصاد إلى مهارات متنوعة مستدامة. ينبغي أن يضم أي نظام تعليمي أو برنامج تدريب مهني ناجح المؤسسات الخاصة المحلية والخبراء الدوليين من ذوي الخبرة الكبيرة. ومن أجل الحفاظ على مستقبل باهر لأي دولة، لا بد أن تتوافق قدرات مواطنيها مع متطلبات الحكومة الاستراتيجية. ويشمل هذا ضمان تقديم المؤسسات الأكاديمية والمؤسسات التدريبية الأخرى دورات تعليمية لاكتساب المهارات الأساسية بالقدر المناسب. ويتضح من الخبرة الدولية مدى صعوبة إجراء الحكومة إصلاحا لقدراتها ووسائلها من دون مساعدة طرف ثالث من الخارج.

وتمثل منحة الملك عبد الله نقطة انطلاق نحو تحول الاقتصاد السعودي من الاعتماد على النفط إلى الاعتماد على المعرفة. وأعتقد أن طريقة مواجهة التحديات التي تنتظرنا والتي أشار إليها خالد المعينا العام الماضي هي توفير المزيد من برامج التدريب المهني والتنمية وتحسين جودتها. ويمنح هذا في حد ذاته فرصا لأصحاب المشروعات الرائدة.

تتغير المملكة العربية السعودية بمهارة تأهبا للمستقبل، لكن إذا كان تقرير «سيتي بنك» دقيقا ولو بدرجة ضئيلة، فلا بد أن يتم الإسراع بهذه العملية. سيحتاج هذا تعاونا كبيرا بين الحكومة السعودية والقطاع الخاص بالدولة وخبراء دوليين مناسبين.

أتمنى أن يستمتع جميع من في السعودية باليوم الوطني السعودي وأن يظل مستقبلهم مشرقا مثل وضعهم الاقتصادي الحالي؛ فالمملكة العربية السعودية تنتقل من نجاح إلى نجاح.

* جون ديفي أستاذ زائر بكلية الأعمال بجامعة

«لندن متروبوليتان»

ورئيس «ألترا كابيتال»