مؤتمر دمشق

TT

أيا تكن اعتراضات المعارضة السورية الرئيسية للنظام التي لجأت إلى السلاح على الأرض في وجه حملة القمع الشرسة، فإن ما طرح في «مؤتمر الإنقاذ» في دمشق أول من أمس بمشاركة 20 حزبا وتيارا سياسيا وشخصيات معارضة، له دلالته المهمة على أن النظام وحلفاءه بدأوا يدركون أنهم في طريق مسدود.

فقد لا يكون الحاضرون لهذا المؤتمر الذين تتهمهم بقية فصائل المعارضة بأنهم معارضة غير حقيقية، قد تحدثوا في بيانهم بشكل صريح عن رحيل الأسد، لكن بيانهم الذي جاء من قلب دمشق تحدث عن العمل على إسقاط النظام بكل رموزه ومرتكزاته، وذلك تحت عين وفي قلب عرين النظام وآلته الأمنية والاستخباراتية وبحضور سفراء إيران وروسيا والصين التي يعتمد عليها النظام.

بقية البيان كلام لا يستطيع أحد أن يختلف حوله مثل نبذ الطائفية والمذهبية، وحماية المدنيين وفقا للقانون الدولي، واعتبار سوريا جزءا لا يتجزأ من العالم العربي، واعتبار الوجود القومي الكردي جزءا أساسيا من النسيج الوطني السوري، والتأكيد على وحدة سوريا وسلامة أراضيها.

النقطة الأهم هي الدعوة إلى وقف العنف فورا من قبل قوى النظام والتزام ما سماها البيان بالمعارضة المسلحة بذلك فورا أيضا تحت رقابة عربية ودولية مناسبة. ويبدو أن هذه هي نقطة الخلاف الرئيسية مع بقية فصائل المعارضة إذا تركنا جانبا الوزن الحقيقي لكل فصيل من فصائل المعارضة بما في ذلك المشاركون في المؤتمر على الأرض وبين الناس.

نظريا ومنطقيا؛ لا أحد ضد مخرج وحل سلمي للأزمة التي جرت فيها أنهار من الدم وتسببت في دمار هائل في المدن السورية وأرقام مهولة من اللاجئين والنازحين بخلاف المعاناة الإنسانية، ولا أحد لديه حرص على المصلحة السورية يكون سعيدا وهو يرى قتالا داخليا هو في النهاية بين أبناء الشعب الواحد، أو أن يرى الجيش السوري المفترض أن يكون جيش كل السوريين يستنزف بهذا الشكل وتشوه سمعته في معارك ضد أبناء شعبه من أجل سلطة تتشبث بالكرسي ضد رغبة شعب قال كلمته.

لكن بين التمني والواقع مسافة كبيرة، فالثورة السورية بدأت سلمية واستمرت هكذا لشهور طويلة.. مظاهرات يرد عليها بالرصاص والقمع الشرس ومحاولات إشعال صراع طائفي، ودعاية إعلامية لطمس حقيقة الغضبة الشعبية المطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية، عن طريق شعارات يستخدمها النظام؛ هو نفسه يعرف أنها جوفاء.

بحور من الدم جرت، وعشرات الآلاف من الأسر شردت وهجرت منازلها، وأحياء بكاملها في مدن رئيسية أصبحت صورها تذكر بمشاهد أحياء بيروت خلال الحرب الأهلية، أو سراييفو خلال الأزمة اليوغوسلافية، وما زالت المدن تقصف بالطائرات، والثارات تتراكم، والنظام يعاند بما يجعل الحديث عن مخرج سلمي شديد الصعوبة. مع ذلك، فقد يكون ما طرح في مؤتمر دمشق يشكل مخرجا إذا وضعت له خطة عملية واقعية لها مصداقية ودعم عربي ودولي يقنع المعارضة المسلحة بأن ذلك ليس فخا، وأول خطوة في هذا الشأن هو إعلان النظام وقف إطلاق النار من طرف واحد، وسحب قواته من المدن وقبول هيئة انتقالية تضم تمثيلا حقيقيا وواقعيا للمعارضة الحقيقية بما فيها الجيش الحر والضباط المنشقون، تمهد لعملية انتقال السلطة. سيحتاج ذلك إلى معارضة موحدة برؤية مشتركة تؤجل الخلافات الآيديولوجية، كما سيحتاج ذلك إلى شخصيات من النظام لديها الشجاعة لتقول لقيادتها التي تحرك آلة القمع: كفى ما سببتموه من دمار ودماء.