أوباما المحظوظ!

TT

ينتخب المرشح لمنصب رئيس الجمهورية في الولايات المتحدة؛ ومن اليوم الأول يبدأ في التحضير للحصول على الولاية الثانية. بشكل ما فإن الحصول على الولايتين – ثماني سنوات - في البيت الأبيض يعطي الرئيس مكانة في التاريخ. ولم يشفع كثيرا تاريخ كوينسي آدمز - ثاني رئيس أميركي بعد جورج واشنطن - في الثورة الأميركية عندما سجل في التاريخ أنه أمضى فترة رئاسية واحدة كان عليه بعدها أن يسلم الرئاسة لتوماس جيفرسون الذي أمضى السنوات الثماني. وعاش جيمي كارتر مع المرارة رغم أنه أحرز جائزة نوبل ليس على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وإنما على عمله من أجل الديمقراطية والسلام العالمي، والتي جاءت بمثابة مكافأة عالمية متأخرة على مجمل أعماله. وربما لو ترك لجيمي كارتر الخيار لاختار فترة الرئاسة الثانية على كل ما عداها، ومع ذلك فقد سحقه رونالد ريغان الجمهوري في الانتخابات الرئاسية. وبشكل ما فإن جورج بوش الابن بذل جهدا مضاعفا للحصول على الفترة الرئاسية الثانية رغم كل ما كان باديا على الفترة الأولى من فشل، لأنه كان يريد تعويض فشل والده جورج بوش الأب في الحصول على أربع سنوات أخرى، بعدما هزم من شاب كان كثير الفضائح حتى قبل أن يصل إلى البيت الأبيض ويمضي فيه ثماني سنوات واسمه بيل كلينتون.

أوباما وقف أمام اختبار التاريخ منذ اليوم الأول، وفي طريقه إلى البيت الأبيض كان كل شيء ضده؛ فهو أسود ولم يكن أحد يتصور أن الشعب الأميركي لديه استعداد للتجربة، وكانت له روابط إسلامية عن طريق والده، وذلك لم يكن مستحبا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، ولم تكن لديه خبرة كبيرة تزيد عن الخدمة كعضو في مجلس الشيوخ لفترة واحدة. بعد ذلك لم يكن لديه سوى الكلام، والجاذبية الخاصة لخوض تجربة جديدة، وربما كان واحدا من أهم الخطباء السياسيين منذ تشرشل. وساعة الانتخابات كان محظوظا من زاوية واحدة وهو أن منافسه ماكين لم تكن له كفاءة في فن الاتصال، ولكن الأهم أنه كان يحمل على عاتقه ميراثا بائسا لإدارة جمهورية فاشلة.

ولكن ذلك كان حظ أوباما البائس حال وصوله إلى البيت الأبيض، ومعه كم هائل من الوعود والتوقعات التي سوف تشفي أميركا، وتصلح أحوال الغرب وتغير العالم، وتقيم حوارا مع الإيرانيين، وتصلح ما بين الحضارات والثقافات، وفوق كل ذلك يحل الصراع العربي - الإسرائيلي الذي استعصى على كل الرؤساء الأميركيين. أخذ أوباما الشعب الأميركي والعالم إلى السماء السابعة، وأن سنوات الشقاء التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر سوف تنتهي. كل ذلك بينما أميركا متورطة في حرب فاشلة في العراق، وأخرى ليست أقل فشلا في أفغانستان، ومعهما أزمة اقتصادية طاحنة تهدد الاقتصاد العالمي كله بكساد لا يقل بل يزيد على ذلك الذي جرى في الثلاثينات وكان المقدمة الطبيعية للحرب العالمية الثانية.

كان القول أمرا، والعمل أمرا آخر، وعندما دخل أوباما البيت الأبيض لكي يتحمل المسؤولية كانت عينه على الفترة الثانية وأداته لها تحقيق وعوده المستحيلة. وبعد أقل من أربع سنوات لم يكن أوباما قد حقق ما وعد به، فقد حل مشكلة العراق بالانسحاب من دولة أصبح النفوذ فيها لإيران. أما مشكلة أفغانستان فحدد موعدا للانسحاب عام 2014 مع ما هو واضح أن حركة طالبان سوف تعود إلى السلطة في اليوم التالي، وربما نجح الرئيس الأميركي في إضعاف تنظيم القاعدة وقتل أسامة بن لادن، إلا أنه جعل التنظيم ينتشر في كل الدول العربية، وبعضا من الإسلامية، وبدلا من تنظيم قاعدة واحد، أصبح التنظيم مثل الخلايا السرطانية التي ترفع أعلامها من صحراء مالي إلى أمام السفارة الأميركية في القاهرة. وانتهى به الأمر إلى وضع الصراع العربي الإسرائيلي في الثلاجة العالمية. أما سلام الحضارات فقد انتهى مع كل فيلم أو رسم أو مقال أو تصريح من متعصب حول دين أو جماعة. ولكن أوباما حقق نجاحا في إنقاذ الاقتصاد العالمي من خلال أكبر حزمة «تحفيز» للاقتصاد الأميركي، وإصلاح الشركات الأميركية الكبرى التي أوشكت على الإفلاس، والنظام البنكي والتأميني الأميركي. ورغم أن كل ذلك عمق من عجز الموازنة العامة، ومن البطالة في العامين الأولين من رئاسته، فإنه في النهاية أخرج الاقتصاد الأميركي من الانكماش، وأعاده إلى مسار النمو والانتعاش البطيء. كان هذا النجاح المحدود كافيا لإبقاء قدر من التوازن في الاقتصاد العالمي، بل إنه ساهم بقدر ما في إرجاع الروح إلى الاقتصاد الأوروبي الذي كان قريبا من الانهيار.

النتيجة أن قياس أداء أوباما بوعوده الأولى يجعله يفقد السلطة بامتياز، ولكن الأرجح أنه لن يفقدها، ليس فقط لأنه جعل أميركا أفضل مما كانت عليه ساعة تسلمه للسلطة، أو لأنه نجح فيما لم ينجح فيه رئيس ناجح مثل بيل كلينتون وهو قانون الرعاية الصحية، لكن الفجوة ما بين حالها الآن وما كانت عليه قبل الكارثة الاقتصادية لا تزال هائلة من أول عجز الموازنة العامة وحتى معدلات البطالة التي لا تزال عاليه. في الأحوال العادية كان أوباما سوف يفقد السلطة، ولكن الأحوال ليست عادية لأن الرجل كان محظوظا للغاية. أولا علامات الحظ جاءت من المرشح المنافس، فبعد انتخابات تمهيدية بائسة من فريق كبير من المرشحين الجمهوريين انتهى الأمر إلى ميت رومني الباهت الشخصية، والقليل الخبرة، وصاحب تاريخ متواضع كحاكم لولاية ماساتشوستس. وفوق ذلك فإن الحزب الجمهوري الذي يمثله منقسم انقساما حادا بين المحافظين والمعتدلين، وكلاهما لا يبدو راضيا لا عن حال الحزب، أو حال البلاد، دون أن يوجد لديه حل للتعامل مع معضلات بالغة التعقيد.

ثانيا أن الأخبار الاقتصادية في العموم مع قرب موعد الانتخابات تشير إلى تحسن متصاعد ومستقر، وكلها تقول إن أوباما كان محقا في التوجه، ولكنه كان فاشلا في التوقيت. فالمسألة في النهاية تخص الزمن، ولا يوجد ما يضمن، أو يشجع أن يستطيع رومني تحقيق ما يحققه أوباما، بل الأرجح أنه ربما يعيد السياسات التي أدت إلى الحالة الأميركية المستعصية منذ أربع سنوات.

ثالثا أن فريق أوباما الانتخابي ربما لا يوجد ما يماثله، وهو شديد التنظيم، وكثير الحركة، ولديه من القدرة لكي يقلب السلبيات إلى إيجابيات، وهو في النهاية يعتمد على مرشح موهوب، من المنتظر - وفقا لكل التقديرات - أن يسحق رومني في المناظرات المقبلة. وهذه ربما ليس فيها من الحظ الكثير، ولكن فيها من الموهبة ما هو أكثر. والأرجح لكل من يهمه الأمر أننا سوف نعيش مع أوباما خلال الأربع سنوات القادمة.