أنت تتذكر ما يهمك!

TT

أخيرا وجد العلماء دليلا على سبب تذكرنا لأشياء دون غيرها. على سبيل المثال، لماذا نتذكر جيدا راتب صديق أو زميل أو رئيس في العمل، وننسى تاريخ ميلاد أحد المقربين إلينا؟ ولماذا «لا نتذكر» ما تناولناه من طعام قبل بضعة أيام، في حين نتذكر جيدا وليمة مرتبطة بمناسبة مهمة، بل ومع من كانت هذه الوليمة؟

الباحثون في المعهد الاتحادي السويسري للتقنية في زيوريخ وجامعة زيوريخ توصلوا إلى أن عملية التذكر «تتم عبر أربعة تفاعلات كيميائية محددة تعتمد في الأساس على درجة تحفز الإنسان النفسية للحدث الذي يتعرض له». على سبيل المثال، إذا علم الموظف الذي تحدثه أنه سيكلف بمهمة في غاية الأهمية، فإن مخه يبدأ بحفر هذه اللحظات في ذاكرته، فيتذكر الإنسان تفاصيل دقيقة من حواره مع الآخر أو مع مديره. وهو الأمر نفسه الذي تبين للعلماء أنه يحدث معنا حينما نتعرض لأحداث غير متوقعة، ربما كسقوط محرج ومفاجئ في مكان عام، أو عندما يشتمنا أحد أمام الناس أو عند وقوع صدمة عاطفية أليمة وغير متوقعة.

كل هذه المواقف نتذكرها جيدا، لأنها تدور حول أمر يهمنا أو أننا كنا في غاية التركيز لحظة الإنصات بكل جوارحنا إلى مجريات الحدث أو المعلومة. لكن هل يعقل أن تبقى قوة ذاكرتي أسيرة لأهمية الموضوع أو مدى تركيزي فيه؟ علماء آخرون أجابوا عن هذا التساؤل، بأنه كلما كان الشخص منشغلا ذهنيا أو بدنيا لحظة استماعه أو وقوع الحدث، أسهم ذلك في انخفاض معدل تركيزه بمقدار انشغاله بهذه الملهيات من حوله، لأن «صاحب البالين كذاب»، كما يقول المثل الشعبي. ولذا تجد أن من يقود السيارة بأقصى سرعة، وهو منهمك بسماع الراديو أو الهاتف الجوال، ثم يفاجأ بعارض يعترض طريقه، كانقلاب سيارة أو عبور حيوان، فإن انشغاله هنا وخوفه يوقف كل انشغالاته الأخرى، فينحصر جل تركيزه في لحظة هذا الخطر الداهم. لذا فهو يتذكر جيدا تفاصيله، لا سيما عندما يكون غير متوقع كما أسلفنا.

غير أن ما يجب أن نتذكره دوما أن الذاكرة كالإسفنجة تحتفظ بما نعرضها له، وكلما عصرت جيدا زادت منفعتها. ولذا تجدنا ننسى تدريجيا رقم الهاتف الذي لا نستخدمه بكثرة، لأن هذه المعلومة انتقلت من الذاكرة القصيرة، سهلة الاستدعاء، إلى الطويلة التي تتطلب وقتا أطول أو عصرا أشد لنتذكر.

الذاكرة عموما هي من أهم الأعضاء التي وهبها الله تعالى للإنسان، أما أولئك الذين يشتكون من ضعفها فلا بد أن يدركوا أن الذاكرة مثل العضلة تعمل بكفاءة إذا مرنت بصورة جيدة، غير أن العضلات أيضا لها عمر افتراضي وأسلوب أمثل في التعامل معها ولا يمكن لمقال بهذا الحجم أن يحصرها.

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]