معنى تكليف فيلق القدس بـ«التركيز على الدول المجاورة»

TT

لم تكتف إيران بحجم مشاركتها العسكرية، التي غدت مكشوفة ومعروفة، التي بدأت منذ البدايات ومنذ اللحظة الأولى، في حرب بشار الأسد «التدميرية» ضد الشعب السوري الذي لا يزال يدعي أنه شعبه، فالواضح بل المؤكد أن هناك استعدادات جدية لشن ما يمكن اعتباره هجوما معاكسا سيستهدف بعض الدول العربية المحاددة والمجاورة لسوريا، والمقصود هنا وفقا لأغلب التقديرات هو الأردن بالإضافة إلى لبنان، حيث كانت مواجهات منطقتي جبل محسن والتبانة المتقطعة في طرابلس عبارة عن مناورات بالذخيرة الحية تمهيدا لتصدير ما يجري في «الشقيقة المجاورة» إليه في هيئة استعادة الحرب الأهلية المدمرة ولكن هذه المرة بصيغة طائفية عنوانها حزب الله ضد تجمع أو تكتل الرابع عشر من نيسان، الذي يضم معظم ألوان الطيف الطائفي في الدولة اللبنانية.

كان بشار الأسد قد هدد أكثر من مرة، وأيده في هذا كل رموز النظام الإيراني بمن فيهم مرشد الثورة علي خامنئي، بأنه سيغرق المنطقة بالفوضى وعدم الاستقرار، إن بقي نظامه مستهدفا من قبل هذه الثورة المتصاعدة التي بدأت سلمية وانتهت - بعد الانشقاقات المتلاحقة التي ضربت الجيش النظامي وبروز «الجيش السوري الحر» - إلى حرب مدمرة فعلية وحقيقية باتت تستخدم فيها كل الأسلحة المتوفرة من الطيران الحربي إلى الصواريخ والمدافع الثقيلة.

والمعروف أنه كانت هناك ومنذ أكثر من عام محاولات اختراقات أمنية سورية للساحة الأردنية، اعترف بها الأردنيون وعلى أعلى المستويات في الأسابيع الأخيرة، وأنه بقيت هناك تحرشات عسكرية في مناطق متعددة من نقاط تماس، وتداخل الحدود بين سوريا والأردن، وكل هذا والمعروف أيضا أن النظام السوري قد بادر لنفض الغبار عن حزب العمال الكردستاني التركي - الذي كان سلم زعيمه عبد الله أوجلان، في عام 1998 في عهد حافظ الأسد إلى السلطات التركية - ودفعه لاستئناف عملياته السابقة في مناطق تركيا الجنوبية - الشرقية.

ولذلك، عندما يعلن مرشد الثورة الإيرانية الأعلى علي خامنئي، قبل أيام قليلة، عن أنه أمر قوات الحرس الثوري وبخاصة «فيلق القدس» الشهير بوقف جميع أنشطته في كل أنحاء العالم وبالأخص في أفريقيا وأميركا اللاتينية والتركيز على دول الجوار والمنطقة، وذلك بالإضافة إلى الكشف عن تشكيل ما يسمى «لواء المهدي» التابع للجيش الإيراني، فإن هذا يعني أنه على الدول العربية المجاورة لسوريا، وبخاصة الأردن أن تأخذ هذه التهديدات المعلنة بمنتهى الجدية. فالآن وقد أصبحت أمور بشار الأسد في منتهى الصعوبة والخطورة فإن إيران قد لجأت إلى ما أشار إليه «الولي الفقيه» آنفا تمهيدا للقيام بهجوم معاكس أغلب الظن أنه سيستهدف بالدرجة الأولى المملكة الأردنية الهاشمية التي تخلت في الآونة الأخيرة عن مواقفها الحيادية السابقة وباتت عمان تستضيف كثيرا من رموز المعارضة السورية حتى بما في ذلك بعض كبار الضباط المنشقين عن القوات النظامية.

والمؤكد أن خامنئي عندما يقول إنه أعطى أوامره لـ«فيلق القدس» ليوقف جميع أنشطته في كل أنحاء العالم وبالأخص في أفريقيا وأميركا اللاتينية ويركز على دول الجوار والمنطقة، فإنه لا يعني بهذا لا باكستان ولا أفغانستان التي يعتمد فيها على أقلية «الهزارا» الشيعية ولا أذربيجان ولا تركيا وبالطبع ولا العراق التي غدت وللأسف محمية إيرانية لا قرار فيها إلا قرار الجنرال قاسم سليماني، بل يعني الأردن ولبنان بالدرجة الأولى ويعني أيضا بعض دول الخليج العربي، التي يرى أنها تلعب دورا رئيسيا في دعم المعارضة السورية وبخاصة المعارضة العسكرية المسلحة.

ربما أن هناك من يرى أن المقصود بهذه الاستعدادات العسكرية التي أعلن عنها السيد علي خامنئي هو تحذير الأميركيين والإسرائيليين من القيام بالعمل العسكري، الذي كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة ضد المنشآت النووية الإيرانية، لكن مما يعزز استبعاد هذا التقدير أن «مرشد الثورة» قد تحدث في تصريحه آنف الذكر عن ضرورة «التركيز على دول الجوار والمنطقة» وأنه لم يشر حتى مجرد إشارة لا إلى إسرائيل ولا إلى الولايات المتحدة الأميركية.

وهنا فإن ما يعزز الاعتقاد بأن خامنئي لم يقصد بتهديداته هذه لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة، وأنه يعني بـ«التركيز على دول الجوار والمنطقة» لبنان والأردن تحديدا وأيضا بعض دول الخليج العربية أن أوضاع نظام بشار الأسد بدأت تزداد سوءا في الآونة الأخيرة، رغم موجة العنف الجنونية التي لجأ إليها واستخدم فيها كل أسلحة الدمار التي يملكها جيشه ومن بينها الطيران الحربي والصواريخ والمدفعية الثقيلة، وأن نهايته باتت قريبة، إن لم تبادر إيران إلى القيام بهجوم معاكس يأخذ طابع التفجيرات والاغتيالات و«الخضات» الأمنية ضد «دول الجوار» لتعميم حالة عدم الاستقرار والفوضى في هذه الدول المعنية وفي المنطقة كلها.

لقد دأبت إيران منذ أن بدأت الأزمة السورية تأخذ هذا المسار الخطير على التأكيد، وهذا قاله مرشد الثورة نفسه مرارا وتكرارا، على أنها لن تسمح بانهيار نظام بشار الأسد وإطاحته وكان رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية حسن فيروز آبادي قد أعلن قبل أيام، وبكل وضوح بأن الحرب الجارية في سوريا هي حرب بلاده، «وأن سوريا تشكل الخط الأمامي للمقاومة وأنها قد حافظت على هذا الخط منذ أعوام» وهنا فإن التدخل العسكري الإيراني في الشؤون الداخلية السورية لم يعد موضع نقاش بعد أسر الجيش السوري الحر لثمانية وأربعين من ضباط حراس الثورة الإيرانية في دمشق وبعد اعتراف الجنرال محمد علي جعفري بوجود ضباط إيرانيين من هؤلاء «الحراس» في لبنان وفي الأراضي السورية.

في كل الأحوال يجب أخذ تهديدات علي خامنئي وما أعلنه بمنتهى الجدية، ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن «فيلق القدس» ليس قوات عسكرية تقليدية تقوم بعمليات حدودية مكشوفة بل هي بالأساس عبارة عن خلايا نائمة تضم بعض المجندين من أبناء الدول المستهدفة يجري تحريكها في لحظات معينة ومحددة لزعزعة استقرار هذه الدول من خلال الاغتيالات وتفجيرات الشوارع، وهي أيضا عبارة عن مجموعات تهريب وغسيل أموال، وعبارة عن فنيين يتقنون استخدام أسلحة الحرب الإلكترونية، وهذا ما كان بشار الأسد قد أشاد به في بدايات انفجار الأزمة السورية.

لا يجوز عدم أخذ تهديدات مرشد الثورة علي خامنئي على محمل الجد، فالأزمة السورية ازدادت تعقيدا وبشار الأسد رغم استخدام أقصى ما يملكه من أسلحة «تدميرية» إلا أنه لم يتمكن لا من القضاء على المعارضة المسلحة ولا من إضعافها، وهكذا ولأن انهيار هذا النظام بات متوقعا وواردا في أي لحظة، فإنه لا بد من التعامل مع هذه التهديدات بكل جدية وأنه لا بد من توقع قيام إيران بهجوم معاكس تستهدف به الدول التي أشار إليها مرشد ثورتها في تصريحاته آنفة الذكر، وذلك لإعادة خلط الأوراق في المنطقة ولتصدير أزمة حليفها في دمشق إلى «دول الجوار» هذه وفي مقدمتها لبنان والأردن.. وبعض دول الخليج العربي.

الآن هناك سيطرة كاملة لـ«فيلق القدس» على العراق، ومن يحكم هذا البلد العربي فعلا هو قاسم سليماني وهذا يجعل إيران على استعداد أن تلجأ حتى إلى الحرب المباشرة سواء إلى جانب جيش نظام بشار الأسد أو ضد «الدول المجاورة» التي تحدث عنها علي خامنئي وذلك حتى لا تفقد سوريا كركيزة لنفوذها الحالي والمستقبلي في المنطقة، ولأن فقدان سوريا سيجعلها تفقد العراق وكل رؤوس جسورها في الشرق الأوسط بأسره.