امتحان للبنان ولحزب الله

TT

التصور المقترح من الرئيس اللبناني، ميشال سليمان، لاستراتيجية لبنان الدفاعية يوحي بأن المنطق العملي بدأ يتقدم على الرومانسية القومية في بيروت حيال تحديد مصير ما يعتبره معظم اللبنانيين سلاحا خارجا عن إطار الشرعية، ويصفه حزب الله بـ«سلاح المقاومة».

أهمية دعوة الرئيس سليمان للتوافق على وضع سلاح المقاومة بتصرف الجيش اللبناني «المولج حصرا باستعمال عناصر القوة لدعمه في تنفيذ خططه العسكرية»، أنها تأتي من رئيس كان قائدا للجيش اللبناني، وبالتالي رئيس يحرص على دور المؤسسة العسكرية المكمل لدور السلطة التنفيذية.

اقتراح الرئيس سليمان يعتبر خطوة مهمة وجريئة في الاتجاه الصحيح لإعادة بناء الدولة واستعادة هيبتها. وإذا جاء متأخرا نحو ثلاث سنوات عن موعده، فلأن طرحه اليوم لا ينفصل عن التطورات الداخلية والإقليمية الراهنة.. وكلاهما مواتيان لعودة «الدولة» إلى لبنان.

داخليا قد لا يختلف لبنانيان على أن «الدولة» تكاد تندثر في وطنهم بحكم ما يجري من ممارسات شاذة تستدعي التسريع بعودة هيبة السلطة إلى الدولة.

يكفي التذكير، على سبيل المثال لا الحصر، أن اللبنانيين، في أسوأ أيام الحرب الأهلية، كانوا يعيشون عمليات خطف على «الهوية» فصاروا اليوم يعيشون عمليات خطف على «الحقيبة» المالية. وبعد أن كانت الأحزاب السياسية قاعدة ميليشيات الحرب الأهلية، أصبحت العائلات العشائرية ميليشيات أيام السلم الأهلي. وبعد أن كان اللبنانيون يشكون من وطأة الاحتلال «الأخوي» للنظام السوري، باتوا اليوم مطالبين بالتأقلم مع وجود عناصر من «الحرس الثوري» الإيراني يعملون على أرضهم من غير علمهم كمستشارين لهم - حسب تأكيد طهران. وبعد أن كانت السرقات تمارس خفية وتحت جنح الظلام، أصبحت عمليات السطو المسلح على البنوك تجري في وضح النهار.

ربما كان تحديد الجهة المسؤولة أكثر من غيرها عن تآكل هيبة الدولة موضع جدل سياسي ونقاش واسعين. وإذا كان من الصعب تبرئة نزعة العديد من اللبنانيين للاستقواء على الدولة من جزء من هذه المسؤولية، فإن ذلك لا يعفي مرحلة «الثنائية العسكرية» التي قامت في ظل معادلة «مثلث» الجيش والشعب والمقاومة من دور مؤثر، بل ورئيسي، في تنامي ظاهرة الاستقواء على الدولة بعد أن تعود اللبنانيون على الخطب العنترية التي تتحدى الدولة بكامل من فيها وكامل أجهزتها.. ولا تلقى منها رد فعل يذكر على تطاولاتها المتكررة عليها.

إخضاع «عناصر القوة» في لبنان إلى حصرية الجيش إن توصل لبنان إليه، لا يعني سقوط معادلة «المثلث» الطوباوي فحسب، بل أيضا إلغاء صيغة أساءت للمقاومة أكثر مما أفادتها؛ حصر هذه المقاومة بحزب واحد وطائفة واحدة فقط وكأنها احتكار مطلق لهما.

أما إقليميا، فقد لا يكون من المبالغة بشيء القول إن القيمين المباشرين على القضية الفلسطينية لم يقصروا، بدورهم، في إحباط قدسية قضيتهم بتشرذمهم السياسي الداخلي، وكأن استعادة الأرض السليبة باتت في المقام الثاني من اهتماماتهم القومية. وتأكيد الرئيس سليمان، في اقتراحه لاستراتيجية لبنان الدفاعية، على أن «عمل المقاومة لا يبدأ إلا بعد الاحتلال» قد يكون إشارة خفية إلى أن الوقت حان للفصل بين أسلوبي مقاومة احتلال الأراضي الفلسطينية واحتلال الأراضي اللبنانية.

مؤسف أن يكون «موسم المقاومة» انتهى على أرض المقاومة ولا يزال في لبنان «ملكيون أكثر من الملك» يدّعون الدفاع وحدهم عن شرف الأمة العربية لتبرير امتلاكهم لسلاح لم يترددوا في استعماله داخل لبنان لأهداف سياسية!

وإذا كان تسييس سلاح المقاومة وجه الضربة الأولى لصدقية بندقية حزب المقاومة في لبنان، فإن متاعب «ملاكيه الحارسين» تتيح للبنان اليوم فرصة اتخاذ قرار تاريخي يعيد «ما لقيصر لقيصر وما لله لله».. وما يتمناه كل لبناني حريص على هيبة دولته واستقرارها الاجتماعي هو ألا يتخلف حزب الله عن اغتنام الظرف المتاح حاليا للعودة إلى لبنانيته.