التعامل المسؤول مع الحرية

TT

إن الصور التي انتشرت في مختلف مناطق العالم، في الأيام الأخيرة، أصابتنا جميعا بالفجع والصدمة. إنها صور تبعث على الحزن والغضب في الآن ذاته. فمن ناحية نرى تجسيدا جارحا لنبي الإسلام انتشر، فيما يبدو، بهدف الاستفزاز المقصود. ومن ناحية أخرى نرى الحشود المحرضة أمام سفارات الدول الغربية لا تتوانى عن العنف بل القتل. واضطررنا أن نقف مكتوفي الأيدي لنشاهد ما يمكن أن يحدث بسبب التطرف المتحجج بالدين والمجموعات المتعصبة.

إن هذه الصور تقدم واقعا مشوها، ففي العالم الغربي، مثله مثل الدول الإسلامية في شمال أفريقيا وفي الشرق الأوسط وآسيا، لا تستخدم سوى قلة قليلة لغة المواجهة والصور الاستفزازية، كما تصدر عن الكراهية وتريد أن تحصد العنف الأعمى. لكن الواقع يختلف عما توحي به الصور؛ فالغالبية العظمى من الناس على الطرفين تريد - مثلما نريد نحن - الديمقراطية، وتبحث عن فرص حقيقية للعيش، والناس يشعرون - مثلنا - بالاشمئزاز من الفيديو الذي يفيض بالأحكام المسبقة المهينة، والتجريح لأناس يتبعون معتقدا دينيا آخر. وهم يرفضون - مثلما نرفض نحن - الموجة الكريهة من العنف والهياج، التي انطلقت إثر انتشار هذا الفيديو.

إننا نواجه هذه الأوضاع برسالة مشتركة من التفاهم والتسامح، ونحن هنا نتحدث باسم الغالبية العظمى من الناس. ونواجه بكل عزم المتطرفين في بلدينا، الذين لا يبتغون إلا هدفا واحدا متمثلا في إحداث هوة عميقة بين مجتمعاتنا ذات الأغلبية المسلمة، وتلك ذات الأغلبية المسيحية.

إننا نكن كل التفهم للاستياء الذي يشعر به كثير من المسلمين في العالم أجمع، كما نفهم الكثيرين الذين قاموا بالاحتجاج سلميا ضد إهانة دينهم، ولكننا أيضا متفقون على عدم وجود أي مبرر لاندلاع العنف، كما حدث في الأيام الماضية. إن العنف هو الإجابة الخاطئة على ممارسات خاطئة بدورها.

يجب علينا التعامل مع الحرية بمسؤولية. إن حرية الرأي واحدة من أثمن القيم في كل ديمقراطية، ومن منطلق هذه القيمة الهائلة لا يجوز أبدا السماح بسوء استغلالها لنشر الكراهية والتطرف والمس بشروط العيش المشترك. لقد أطاح الربيع العربي بالأنظمة الاستبدادية في تونس وغيرها من بعض الدول العربية، وربما لن تتكرر الفرصة السانحة الآن لبناء مجتمعات ديمقراطية وتعددية جديدة على أنقاض الأحكام الفردية القديمة إذا لم يتم أخذ الأمور بالجدية. من هذا المنطلق يجب ألا تستغل الحرية الجديدة المكتسبة بشق الأنفس لتتحول إلى دعوة إلى الاعتداء العنيف على المخالفين في الرأي وزعزعة أسس الاستقرار العام.

بدأت الثورة في تونس، وانطلقت من العاصمة بسرعة البرق لتشمل بلدانا عربية أخرى؛ إذ نجح التغيير الجذري الذي أطلقته ثورة الياسمين. ثمة فرصة تاريخية للوصول إلى مستوى جديد من العلاقات المتميزة بين الثقافات على ضفتي المتوسط تبنى على التسامح والاحترام المتبادل.

إننا نقف جميعا أما مهام وتحديات هائلة، تتمثل في البحث عن حلول سلمية للنزاعات في الشرق الأوسط، أولها وأكثرها إلحاحا الأزمة المستفحلة في سوريا. كما تشمل أيضا خلق فرص حقيقية تضمن الكرامة والعيش الآمن. وأخيرا، وليس آخرا، فهي تشمل أيضا الجهود الدؤوبة من أجل تشكيل ثقافة التسامح والحوار والاحترام في مجتمعاتنا وبين شعوبنا. يجب عدم السماح أبدا بأن تقامر القوى المتطرفة بالفرص الهائلة النابعة من قوة التعاون وإرادة العيش المشترك بيننا كأمم وشعوب، إننا جميعا نطمح إلى عالم يقوم على قيم التسامح والاندماج والاعتراف المتبادل، بعيدا عن كل أشكال الكراهية والعنف والتعصب.

* وزيرا الخارجية الألماني والتونسي