الموهبة التي أفتقدها

TT

لم أحسد أحدا قدر حسدي لمن أوتي من الناس موهبة (سرعة البديهة) بالرد، فما أكثر ما وقفت مبلما ومتلعثما وغارقا في شبر من الماء عندما يفحمني أحدهم، ولا يأتيني الرد المناسب على كلامه إلا في اليوم الثاني بعد أن تكون الطيور قد طارت بأرزاقها.

وسوف أستعرض معكم اليوم بعض النماذج لأساطين سرعة البديهة التي يشتهر بها إخواننا أهل مصر: فيقال إنه حدث أن انقطع فضيلة الشيخ المرصفي عن إلقاء الدرس عدة أيام، فلما حضر سأله تلاميذه عن السبب في تأخيره، فقال لهم: لأن الحمارة كانت والدة وربنا جبرها على خير. وأراد التلاميذ أن يتخذوا من ذلك مادة للفكاهة فقالوا له: ولكنك يا سيدنا الشيخ لم تعزمنا في السبوع! فرد على البديهة قائلا: والله احنا اقتصرنا على حمير الحارة!

* *

مر صديق على الأستاذ الشيخ رفعت فتح الله وقال له: مش ناوي تيجي تعزي معانا؟ فسأله منزعجا: مين اللي مات؟!

- الحاج عبد الله حويس، حفار القبور، انت ما دريتش؟

- يستاهل، من حفر حفرة لأخيه وقع فيها!

* *

كان الأستاذ رياض فوزي قاضي محكمة فاقوس يستجوب أربعة ضبطوا في غرزة حشيش، فلما سأل كلا منهم عن صناعته، قال الأول إنه خادم جامع، وقال الثاني إنه مؤذن، واعترف الثالث أنه مقرئ، وذكر الرابع أنه مأذون!

فهز القاضي رأسه وقال: يا عيني! يا عيني! ع الأئمة الأربعة!

* *

وقف الشاعر حافظ إبراهيم يلقي قصيدته الرائعة في الاحتفال بتأبين شيخ الشعراء إسماعيل صبري باشا، فلما وصل إلى نصفها ارتفع نهيق حمار خارج المكان، وكان بين المستمعين أديب ثرثار متملق جعل يطري الشاعر ويستعيده ويستزيده وكان صوته جهيرا مزعجا مثل صوت الحمار، وبقي حافظ ساكتا حتى تنتهي الضوضاء الحيوانية والآدمية، وقال حفني محمود باشا لحافظ: اتفضل كمّل يا حافظ بك. فقال حافظ وأصبعه مشيرة إلى الأديب الثرثار: حاضر، بس لما يسكت الحمار!

* *

كان المرحوم الشيخ عبد العزيز البشري سائرا في شارع فؤاد الأول - الذي أصبح اسمه شارع (26 يوليو) - ذات ليلة عندما (قفشه) صديقه الشاعر الدكتور إبراهيم ناجي وسأله: على فين يا مولانا؟ فأجابه: رايح السينما. قال: يا خبر أسود! تروح السينما وكلها مناظر خليعة وروايات غرامية من تأليف الشياطين؟! فأجابه البشري: طيب حاسب شوية، حلمك عليا، دنا رايح سينما (ديانة).

* *

ونذكر لهذه المناسبة أن موسيقيا ضاقت به الحال فذهب إلى أم كلثوم جماعة من زملائه في الفن وقالوا لها: هذا الرجل فقير جدا وله أب عجوز ضرير فيجب أن نعوله.

ولما كان التنكيت داء عند أم كلثوم قالت: طيب منعول أبوه. انتهى.

وعلى فكرة هذه الكلمة الأخيرة تأتي بمعنيين متناقضين.

أرجو أن أكون بهذه المقتطفات (الوثائقية) قد أرحتكم، وريحتكم مني ولو ليوم واحد على الأقل، وجمعة مباركة.

[email protected]