التعليم يمكن أن يحل بديلا لفقدان الأمل

TT

نيويورك - سوف يعود المؤرخون بذاكرتهم للوراء إلى الثورات العربية بوصفها أول محفزات التحرك من أجل تغيير من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف إلى إحداث تحول في الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية حول العالم. لقد أخذت المظاهرات الحالية المعادية للغرب الاحتجاج إلى مستوى جديد خطير، غير أن المزاج العام الشعبي ربما لا يكون مرتبطا بالعداء لأميركا وأوروبا - أو بدعم التطرف الديني - بقدر ارتباطه بفقدان الأمل.

بعد زيارتي لدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مؤخرا، يمكنني أن أتبين كيف أن انتفاضات عامي 2010 و2011 التي ولدت من رحم التفاؤل المتزايد بشأن بزوغ فرص جديدة، قد تحولت الآن إلى احتجاجات غاضبة يؤججها الإحباط واليأس. هناك ثمانون مليون شاب مسجلون الآن رسميا بوصفهم عاطلين. وفي بعض الدول، يكون السواد الأعظم من الشباب عاطلا عن العمل، وأجد الشباب - الذين أصبحوا أكثر تواصلا من أي وقت مضى مع ما يجري في العالم الخارجي، لكنهم يتسكعون حول نواصي الشوارع بشكل عابث - يتساءلون بشكل متزايد عن مدى عدالة مصيرهم.

إن حالة الاعتراض والسخط تزداد، ليس فقط بسبب انعدام الوظائف، ولكن أيضا نتيجة الافتقار إلى الفرص. في جنوب السودان، أحدث دولة في العالم، هناك أكثر من 100 ألف فتاة في سن الرابعة عشرة والخامسة عشرة والسادسة عشرة، لكن 400 منهن فقط هن من يتلقين التعليم في المدرسة. وتشير أرقام جديدة إلى أن إجمالي 61 مليون فتاة وفتى حول العالم لا يصلون حتى إلى المستوى الأول من التعليم، وهو التعليم الأساسي. للمرة الأولى منذ عقود، تتوقف عجلة التقدم، وعلى الرغم من الوعود التي قدمت في ثاني الأهداف الإنمائية للألفية بتوفير التعليم الأساسي على مستوى العالم بحلول عام 2015، لكن أفريقيا تتراجع للوراء. ومن المنتظر أن يصل عدد المتسربين من المدارس فيها إلى مليونين في عام 2015، إن لم يحدث أي تغيير.

بناء على الاتجاهات العالمية الحالية، سيكون هناك 50 مليون طفل متسرب من المدرسة في عام 2025، وبعد 50 عاما من الآن، من المتوقع أن يظل توفير التعليم للجميع حلما بعيد المنال. ومقارنة بالمنطق المقبول، لا يعتبر العالم في طريق انسيابي ثابت نحو تعليم شامل، وبالنسبة للملايين سوف يظل تكافؤ الفرص وعدا أجوف، ويصبح غيابها مصدرا متزايدا للاضطراب.

لم أفكر مطلقا في أنه كي يتسنى للفقراء الانتفاع، يجب أن يقع ضرر على الأغنياء. إنني لا أؤيد سياسات الحسد. إذا ما كانت هناك فكرة تلهم عالمنا الحديث، فهي أن كل طفل يجب أن يتمتع بفرصة الارتقاء إلى أقصى مدى يمكن أن تأخذه إليه مواهبه. لكن إذا كان ثمة حقيقة تكشف عن عجزنا عن تحقيق وعودنا على أرض الواقع، فهي أن البيئة التي نتحدر منها تشكل أهمية أكبر بكثير من البيئة التي نتجه إليها. في واقع الأمر، يمكن تفسير 80 في المائة من صور عدم التكافؤ في الدخول على مستوى العالم بناء على هوية والديك والموقع الذي تعيش فيه.. لكن بدلا من تناول العيوب التي تنبع من محل الميلاد والخلفية الاجتماعية، نحن مستمرون في استثمار 400 دولار في التعليم الابتدائي والثانوي للطفل الأفريقي التقليدي، بينما ننفق أكثر من 100 ألف دولار - وهو ما يزيد بقيمة 250 مرة - على نظيره الغربي. وهذه الفجوة الكبيرة بين مثلنا العليا وخبرات أطفالنا هي التي تجعل مبرر توفير الفرص التعليمية، بحسب كلمات كوندوليزا رايس، هو قضية حقوق الإنسان التي تشغل جيلنا.

بالطبع، من الضروري فضح المتطرفين وإلقاء اللوم عليهم في تحريض الشباب، ومن المهم دعم هؤلاء القادة المعتدلين الذين يحاولون تخفيف حدة الغضب المتزايد للجموع، لكن إذا لم تخاطب الدول أوجه عدم التكافؤ الأساسية في الفرص، فسوف تزيد حالة الاضطراب، ليس بسبب أن الشباب معادون لأميركا، وإنما لأنهم قد فقدوا الأمل.

من ثم، يعتبر توسيع نطاق الفرص التعليمية واجبا أخلاقيا واقتصاديا وأمنيا ملحا. لحسن الحظ، ثمة أسس جيدة تدفعنا للاعتقاد بأن بإمكاننا المضي قدما بشكل سريع نحو توفير فرص جديدة وأفضل للشباب. في كل مكان أقصده، بدءا من أكبر حي للفقراء في أفريقيا، وهو حي كيبيرا بكينيا، إلى مجتمعات داليت «المنبوذة» خارج دلهي في الهند، ألتقي بآباء يدركون أهمية التعليم. أخبرتني الأمهات اللائي قد عبرن للتو كلاجئين من السودان إلى جنوب السودان، أن أطفالهن بحاجة بالطبع إلى طعام ومأوى وأمن، لكن الشيء الذي كان يمثل أهمية قصوى بالنسبة لهؤلاء الأمهات هو التعليم.

في هذا الأسبوع، أطلق الامين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، مبادرة «التعليم أولا»، التي تجمع الشركات والمؤسسات والمنظمات غير الحكومية والحكومات والمعلمين والآباء والطلاب في حملة تمتد على مدار 1000 يوم بهدف توفير تعليم على مستوى جيد لجميع الأطفال بنهاية عام 2015. وبوصفي مبعوث الأمم المتحدة الخاص الجديد للتعليم العالمي، أعلم أن هذه الدفعة الكبرى يجب أن تكون أكثر جرأة من أي وقت مضى في محاربة العنصرية والتمييز والاستغلال. علينا أن نتناول الثقافة التي تدفع لتسرب 10 ملايين فتاة من التعليم المدرسي للزواج، وأن نحظر التوظيف الإجباري لـ15 مليونا تحت سن الثانية عشرة ممن لا يسمح لهم بدخول أي فصل دراسي، وأن نضع حدا لهمجية أعداد لا حصر لها تجند إلزاميا في جماعات مسلحة، تستخدمها عصابات إجرامية في تنفيذ أنشطة غير مشروعة أو يتم الدفع بهم إلى سوق البغاء، وأن نمنح الأمل لخمسة وعشرين مليون طفل متسرب من المدرسة يعيشون في مناطق نزاعات.

لا يتعين علينا الركون إلى إنجاز علمي أو تحول في التكنولوجيا - فقط ثورة في قوة الإرادة - لتدريب عدد إضافي من المعلمين يبلغ مليوني معلم وبناء 4 ملايين فصل دراسي إضافي يحتاج إليها العالم. لن يعتبر أي أب أعرفه أن مبلغ الـ13.50 دولار الذي نمنحه سنويا لطفل أفريقي في صورة إعانة تعليمية مبلغا ضخما جدا. على نحو مؤسف، فإنه حتى هذا المبلغ الهزيل - الذي يبلغ 25 سنتا لتعليم مدرسي أسبوعي - يتضاءل. إلا أن بإمكاننا إقناع الحكومات والعامة بأن بضعة دولارات إضافية من مواطني إحدى الدول الغنية من أجل تعليم طفل في دولة فقيرة تعتبر بمثابة استثمار قيم. ومن خلال دعم قيمته دولار سنويا من جانب أفراد الطبقة المتوسطة في العالم البالغ عددهم مليار شخص، يمكننا البدء في الوفاء بوعد الألفية الذي قطعناه على أنفسنا أمام كل طفل بأن يتمكن من تلقي التعليم في المدرسة.

في هذا العام في دورة الألعاب الأولمبية، شاهدنا ما يمكن أن يحققه الاستثمار في الشباب وإمكاناتهم. متى سنبدأ في فهم الضرر الناجم عن غياب الفرص؟ وهل يمكننا تحمل حرمان الجيل المقبل من فرصته؟

* رئيس وزراء بريطانيا السابق، ومبعوث الأمم المتحدة الخاص للتعليم العالمي

* «غلوبال فيوبوينت نتوورك 2012».. من توزيع خدمات «تريبيون ميديا»