القوى السياسية العراقية وهامش البقاء

TT

القوى السياسية العراقية تنتحر مبكرا، ونرى اليوم على طاولة البرلمان قانون العفو العام، وقانون البنى التحتية، وكلاهما مثير للجدل بين فرقاء العملية السياسية، فطرف يرى أن إقرار قانون العفو ضروري من أجل بناء الثقة بين القوى السياسية من جهة ومن جهة ثانية يكون خطوة في طريق الإصلاح، ولكن هذا القانون يثير الريبة ليس لدى المسؤولين المعارضين له فحسب بل حتى لدى شرائح عديدة من المجتمع العراقي التي تجد أن شمول المحكومين حتى بالإعدام وفق جرائم إرهابية يعني فيما يعنيه عودة موجة العنف من جديد للبلاد، إضافة لشمول المزورين للشهادات وغيرها من الجرائم الأخرى.

وبالتالي فإن هذا العفو يصطدم بعوائق شعبية وأخرى سياسية، خاصة أن بعض القوى السياسية وضعت هذا القانون مع قانون البنى التحتية في سلة واحدة، وهذا هو الانتحار الحقيقي لهذه القوى التي تحاول أن تساوم دون أن تدرك أنها تفقد شعبيتها أمام جمهورها الذي يحتاج للبنى التحتية والخدمات أكثر من حاجته للعفو عن المسجونين والمعتقلين، وتلك حقيقة يجب أن تدركها القوى السياسية قبل فوات الأوان.

لهذا نجد أن ثمة مأزقا كبيرا تعيشه بعض القوائم الكبيرة وفي مقدمتها «القائمة العراقية» التي يضيق هامش بقائها يوما بعد آخر، وأزمة بعد أخرى، خاصة في ظل عودة صالح المطلك نائب رئيس الوزراء وتصريحات رافع العيساوي وزير المالية بأن قانون البنى التحتية لا يؤثر على الموازنة العامة، وسعي بعض النواب من هذه القائمة للتصويت مع القانون.

وبالتأكيد أن أغلب المعارضين لتشريع هذا القانون ينطلقون من البعد الانتخابي له بدرجة كبيرة جدا خاصة في ظل تمدد «دولة القانون» وكسبها لبعض الثقة في مناطق عديدة لم يكن لها مؤيدون في السابق سواء في الموصل أو الأنبار أو صلاح الدين وكركوك وديالى، وهي مناطق شبه مغلقة للقائمة العراقية، وأيضا فإن هؤلاء المعارضين من البرلمانيين يمتلكون شركات مقاولات تعمل في العراق منذ سنوات عديدة، ولا نستبعد أبدا أن تشريع هذا القانون ينهي أعمالهم التجارية، لهذا فإن المواطن العراقي اكتشف أن ما موجود الآن في البرلمان «رجال أعمال» وليسوا بساسة، وأن وقوفهم بالضد من قانون البنى التحتية الذي ستناط أعماله بشركات عالمية سواء من كوريا أو اليابان أو الصين أو روسيا أو حتى أميركا، سيسحب البساط من الكثير من شركات عاملة في العراق يديرها هؤلاء الساسة، خاصة أن عملية دفع ألأموال ستكون بالآجل وليس بشكل مباشر، وحتى قبل الشروع في العمل كما جرى في الكثير من المشاريع التي تبخرت فور توقيع عقودها وتسلم مبالغها.

لهذا فإن المالكي نجح أكثر من مرة في طرح قانون البنى التحتية وأمام البرلمان، ونقل وقائع الجلسات عبر التلفاز لكي يرى الناس من يقف بالضد من القانون، وهنا علينا أن نقول إن المعارضين للقانون يسيرون بسرعة صوب منصات الانتحار، فهم برفضهم للقانون يفقدون أصوات الكثير من جمهورهم، خاصة أنهم سيرفعون في الانتخابات المقبلة شعارات البناء والإعمار، ولا يمكن أن يجدوا من يصدقهم! أما إذا صوتوا مع القانون فإنه جماهيريا سيحسب للمالكي ودولة القانون، وبالتالي فإن القوى السياسية المعارضة لم تدرك أبعاد الرفض، وكان الأجدر بها أن تصوت لصالح القانون مبكرا بدلا من أن تحرق ما تبقى لها من أوراق هنا وهناك.