همسة في أذن الليبراليين: غيروا تكتيك الخصومة

TT

أتصور أن وصول الإسلاميين إلى الحكم في مصر وتونس وليبيا، مع التسليم بالفارق بين التجارب الثلاث، سيسهم في تعميق الهوة بين «الإخوان» والمتأثرين بفكرهم من جهة، وهم السواد الأعظم في التوجهات الإسلامية، وبين «القاعدة» والمتأثرين بفكرها ورؤيتها للجهاد من جهة أخرى، وسيتحول الوضع، كما قلت في مقالي السابق، من منازلات فكرية ومشادات كلامية إلى منازلات عسكرية، وهذا ما يحدث هذه الأيام في الدول الثلاث، وسمعنا وسنسمع من متطرفة الجهاديين أن الإسلاميين الذين تولوا الحكم لم يطبقوا الشرع وليس ثمة فرق بينهم وبين الأنظمة التي سقطت، بل الإسلاميون الحاكمون هم الأخطر، فهم يقصون الدين باسم الدين، ويجافون السنة باسم السنة، وهم، ولا يزال الكلام للجهاديين، أخطر على العامة من العلمانيين الذين يجاهرون بمعاداة الفكر الإسلامي ومقاومة تطبيق الشريعة.

هو ذات السيناريو الذي برر به الخوارج أفعالهم الشنيعة، فقد وصل الأمر بالرعيل الأول من المتشددين في الفترات المبكرة من التاريخ الإسلامي إلى حد تظاهر بعض المسلمين أمامهم بأنهم كتابيون حتى يسلموا من الذبح، فالكتابيون مستأمنون وأما غيرهم فمرتدون ومستحقون للقتل. ولهذا فليس من صالح الحرب على الإرهاب ومقاومة الفكر المتطرف الذي خنس في فترة الربيع العربي وبدأ يستميت في إيجاد موطئ قدم له في مرحلة ما بعد الثورات، العزف بنفس سيمفونية وضع جميع الإسلاميين: معتدلهم ومتطرفهم، مسالمهم وعنيفهم، في خندق واحد، فهي علاوة على أنها تهمة باتت بالية ومنتهية الصلاحية فهي أيضا تقوي جانب الإرهاب وتضعف جانب الإسلاميين الذين بدأوا يفتحون جبهات قتال حقيقية معه.

كنا قبل تولي الإسلاميين الحكم في الدول التي اندلعت فيها الثورات، نرى أن هذا الحشر القسري لكل الإسلاميين في خندق التطرف، واتهامهم بأنهم الوجه الآخر للإرهاب، وأن التفاوت الذي بينهم لا يتعدى تبادلا للأدوار، هو نوع من مناكفة بعض الليبراليين لخصومهم الإسلاميين ومن باب تكثير المطبات والحفر في طريقهم للحكم، لكن بعد أن تولى الإسلاميون الحكم في تونس ومصر وليبيا، وحين بدأوا فعليا التطبيق «المبدئي» لشعارات كان الليبراليون يشككون في صدقية تطبيقها وأسخطت عليهم التيار الجهادي، صار من غير المنطق تكرار نفس التهم في ظل متغيرات شديدة التغيير.

لقد أصبح لزاما على التيار الليبرالي تغيير جلد المناكفات بما يتوافق مع هذه المتغيرات، كالتركيز على مسائل التحدي التي دوما ما شكك الليبراليون في جدية تعامل الإسلاميين معها إذا وصلوا الحكم، مثل الحريات العامة، تداول السلطة، التنمية، الفقر والبطالة. فإن أصر بعض الليبراليين على عزف سيمفونية اتهام كل الإسلاميين بالإرهاب أو أنهم أحد ينابيعه رغبة في تقليص جماهيريتهم، فستكون الاتهامات باعثة على السخرية كما يسخر الناس الآن من عزف نظام بشار لذات السيمفونية التي عزفها القذافي ومبارك وبن علي رغبة في استعطاف الدول الغربية.