من المحرج للغاية أن يحجم الرئيس الأميركي باراك أوباما - رغبة منه في تجنب المخاطرة - عن الدخول في قضايا السياسة الخارجية بهذا الشكل الواضح الذي يجعل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يسخر من ذلك ويقول بكل وقاحة في مقابلة شخصية معه يوم الأحد الماضي: «أعتقد أن بعض المناقشات والقضايا الأساسية يتعين الحديث عنها مرة أخرى بمجرد الخروج من أجواء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة». وعلى الرغم من أنني أكره قول ذلك، لكنني أرى أن الرئيس الإيراني المزعج في كثير من الأحيان، كان على حق هذه المرة.
وقبل أقل من ستة أسابيع على الانتخابات، فإن الشعار الرئيسي لحملة أوباما الانتخابية هو أغنية شعبية من موسيقى الريف تدعى «دع العالم يذهب بعيدا»، وقد يكون هذا شيئا ذكيا من الناحية السياسية، ولكنه ليس جيدا من ناحية الإدارة والحكم، ففي ظل الطريقة التي تسير بها هذه الحملة، لن يكون للرئيس أي مهام في ما يتعلق بالشؤون الخارجية.
وتعد إشارة «العودة بعد 6 نوفمبر (تشرين الثاني)» أكثر وضوحا في ما يتعلق بالملف الإيراني، حيث يدرك الأعضاء الآخرون في مجموعة «5 + 1» التي تتفاوض بشأن الملف الإيراني أن أميركا لا تريد صفقة جدية إلا بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية، حتى لا يضطر أوباما لتقديم تنازلات قد تجعله يبدو ضعيفا، ولذا فإن المحادثات مع إيران، والتي بدأت في شهر مايو (أيار) الماضي، تسير بخطى بطيئة في إطار مناقشات تقنية.
ولمح أحمدي نجاد وبعض مساعديه خلال زيارتهم لنيويورك إلى أنهم على استعداد لتقديم عرض بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم بنسبة أعلى من 5 في المائة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل هذا العرض جيد أو لا، من حيث الأمن الأميركي والإسرائيلي؟ والإجابة عن هذا السؤال هي: لا بالطبع، ويتعين العودة إلى طاولة المفاوضات في وقت لاحق.
هل يبقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيفه في غمده حتى انتهاء الانتخابات الأميركية؟ في الحقيقة، هذا هو ما يتمناه البيت الأبيض بكل تأكيد، ولكن يجب معرفة رأي شيلدون أديلسون، وهو صاحب أشهر وأعرق الكازينوهات في الولايات المتحدة وواحد من أكبر ممولي حملة المرشح الرئاسي ميت رومني.
وتبدو سياسة أوباما التي تعتمد على تقديم المساعدات واضحة مع مصر ودول الربيع العربي الأخرى، حيث تطلق الولايات المتحدة برنامجا مبتكرا لتقديم المساعدات الاقتصادية بهدف دعم الرئيس المصري محمد مرسي وحكومته من الإخوان المسلمين، ولكننا لا نسمع كثيرا عن هذا البرنامج خلال هذا الموسم الانتخابي، كما لا يوجد هناك الكثير من النقاش العلني بشأن الجهود السرية التي تبذلها الولايات المتحدة لمساعدة الثوار في سوريا، أو الحرب في اليمن، أو الفوضى الرهيبة في العراق.
وعلى الرغم من أن أوباما كان بليغا في خطابه أمام الأمم المتحدة يوم الثلاثاء في الثناء على سفير أميركا لدى ليبيا كريستوفر ستيفنز، لكن الإدارة الأميركية كانت مترددة في الحديث عن العمليات التي يقوم بها تنظيم القاعدة في هذا البلد. ويشعر المرء بوجود رغبة في الحفاظ على سرية هذا الموضوع من خلال الجهد الذي تبذله وزارة الخارجية الأميركية لمنع نشر التقرير الذي أعدته محطة «سي إن إن» عن المذكرات الخاصة لستيفنز، جنبا إلى جنب مع جهد الوزارة الذي يستحق الثناء لحماية خصوصية العائلة.
وقيل لي إن الحديث في الموضوع السري الليبي يدور حول «انتفاضة عالمية»، على غرار الوعظ الذي يقوله الزعيم الجديد لتنظيم القاعدة أيمن الظواهري على مدار السنوات الخمس الماضية، ولكن ما إن تسأل المسؤولين الأميركيين حول هذا الموضوع، حتى يقولوا لك: «لا تعليق».
وحتى أكون صريحا يتعين عليّ أن أقول إن الإدارة الأميركية قد بذلت جهدا كبيرا في نشر الانطباع العام بأن تنظيم القاعدة قد هزم عندما قتل زعيمه أسامة بن لادن في الثاني من مايو 2011، وسوف يفقد أوباما بعضا من بريقه إذا ما اكتشف العامة أن تنظيم القاعدة يتبنى استراتيجية جديدة بقيادة الظواهري لاستغلال الاضطرابات التي تجتاح العالم العربي في شن عمليات جديدة، ولكن هناك حاجة ماسة إلى مثل هذه المناقشة التي يتعين على الرئيس أن يقودها، حتى أثناء الحملة الانتخابية.
ولعل المثال الأكثر إثارة للأسف لأي موضوع تم مناقشته بعمق خلال موسم الحملة الانتخابية، هو الحرب في أفغانستان، حيث شهد هذا الشهر نهاية للطفرة في أعداد الجنود في أفغانستان بناء على أمر الرئيس أوباما في ديسمبر (كانون الأول) عام 2009، وعادت القوات إلى مستوى ما قبل هذه الطفرة ووصلت إلى نحو 68.000. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما مدى سرعة انخفاض هذا العدد خلال العام المقبل؟ وهنا مرة أخرى، ربما لن نعرف الإجابة عن هذا السؤال إلا بعد يوم الانتخابات. ويستعد قائد القوات الأميركية في كابل الجنرال جون ألين للإعلان عن توصياته، ولكن يرى مسؤولون أن هذه العملية سوف تستغرق ما لا يقل عن ستة أسابيع.
ولم يجد الرئيس حرجا في الحديث عن تأجيل بعض الأمور إلى ما بعد الانتخابات، حيث قال صراحة للرئيس الروسي آنذاك ديمتري ميدفيديف في شهر مارس (آذار) الماضي عندما كان يعتقد أن الميكروفون متوقف عن العمل: «هذه هي الانتخابات الأخيرة بالنسبة لي.. وسأكون مرنا بصورة أكبر بعد الانتخابات».
وربما تنجح استراتيجية تجنب الحديث عن القضايا الخارجية الأساسية أو القرارات التي تنطوي على قدر من المخاطرة في إعادة انتخاب أوباما رئيسا للولايات المتحدة مرة أخرى، ولكن الرئيس يحرم البلاد من هذا النقاش الذي تحتاج إليه، ويحرم نفسه من فهم الجمهور والدعم الذي سيكون بحاجة إليه حتى يصبح رئيسا فعالا في السياسة الخارجية خلال فترة ولايته الثانية، إذا ما أثبتت سياسة «التراجع ثم الهجوم الخاطف» نجاحها.
* خدمة «واشنطن بوست»