مشكلة إيران الحقيقية

TT

فقدت العملة الإيرانية يوم الاثنين الماضي 20% من قيمتها، لتصاب بانخفاض آخر بعد أشهر من التراجع. في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2011، بلغت قيمة الدولار الأميركي 15 ألف ريال، والآن يقترب الدولار من حاجز 40 ألف ريال. مما يعمق الأسى أنه قبل استيلاء الملالي على السلطة، كانت قيمة الدولار الأميركي 70 ريالا.

يمر الاقتصاد الإيراني في الوقت الراهن بحالة سيئة، فقد وصلت معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، وهناك أكثر من 4 آلاف شخص يفقدون وظائفهم كل يوم، بينما انخفض الناتج الصناعي بما يقارب النصف، وتراجعت الاستثمارات إلى أدنى مستوى لها خلال 20 عاما. وطبعت حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد المال لرفع السيولة من 6.5 تريليون إلى ما يقرب من 400 تريليون ريال. إنها صورة كئيبة حقا. ولو طلب من الإيرانيين تسديد ديونهم للبنك المركزي لأشهر غالبيتهم إفلاسهم.

إذن، هل ستجبر قوة العاصفة الاقتصادية الآخذة في التصاعد حكام إيران على إعادة التفكير في استراتيجيتهم؟ وهل وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، صادقة في زعمها أن المصاعب الاقتصادية الإيرانية هي ناتجة عن العقوبات، التي ربما تقنع النظام الخميني بتغيير سياساته؟

أنا لا أعتبر الأداء الاقتصادي المقياس النهائي لمدى نجاح النظام من فشله. وما دام النظام لا يعاني هزيمة كبيرة في الميدان السياسي، فبإمكانه النجاة من العواصف الاقتصادية.

ومشاكل إيران سياسية بالأساس.

وحتى مع افتراض أن الأزمة الاقتصادية الحالية سببها العقوبات، ينبغي لنا تذكر أن هذه العقوبات هي نتيجة القرارات السياسية، وبخاصة تلك المتعلقة بالقضية النووية، أضف إلى ذلك قرار أحمدي نجاد تقديم الإعانات المالية، مما زاد من التضخم. واستخدام النظام الائتماني السهل لشراء الدعم ومكافأة المقربين. فهناك أكثر من 5 آلاف شخص، غالبيتهم من الملالي وأعضاء الحرس الثوري الإسلامي، يشكلون ما يقرب من نصف المستفيدين من القروض الشخصية التي منحتها المصارف التابعة للدولة. وركزت أضخم فضائح الفساد في تاريخ إيران ظهرت في دائرة الضوء العام الماضي، على المحسوبية السياسية لحفنة من الأفراد.

الحديث الدائم عن الحرب مع الولايات المتحدة أو مع إسرائيل أو كليهما، الذي يصدر عن سلسلة من الجنرالات الإيرانيين، هي سياسة أيضا. مثل هذا الحديث يثير الخوف ويقنع الشعب بتحويل مدخراته إلى عملة «قوية». والقرار بدعم نظام الأسد المحتضر في سوريا بمليارات الدولارات من المساعدات العسكرية، سياسي أيضا. وكذلك القرار بتحويل السياسة الخارجية إلى أداة لصنع الأعداء في الخارج.

بيد أن أيا من القرارات السياسية التي ذكرت بالأعلى لا تفسر بشكل كامل الأزمة الإيرانية اليوم.

المشكلة التي تواجهها إيران اليوم، هي نتيجة لطبيعة النظام الذي قاد البلاد إلى طريق مسدود. فقد تحول النظام الخميني، ذلك المزيج من المحرمات الشمولية الغربية والخيالات الإسلامية الزائفة، إلى وحش غريب، يتمتع فيه الملا، الذي يشار إليه بـ«المرشد الأعلى»، بسلطات غير محدودة دون مسؤولية، في الوقت الذي يفترض أن يتحمل فيه الرئيس المنتخب مسؤولية أكبر من السلطة.

في مثل هذا النظام، تأتي مصلحة الرجل ذي السلطة المطلقة دون مسؤولية في تصوير نفسه في صورة الرجل المهيمن وإثارة جو من التوتر الدائم والأزمات. هذا تحديدا ما فعله ماو تسي تونغ في الصين الشيوعية حتى تم كبح جماحه بعد سقوط الثورة الثقافية. وعند زيارة الصين في السبعينات، انبهرت بجهود قسم القيادة في كبح جماح ماو تسي تونغ وسحق عصابة الأربعة الشهيرة.

وفي إيران أيضا، فكل رئيس، بدءا من أبو الحسن بني صدر وحتى أحمدي نجاد وبما في ذلك علي خامنئي، عندما عمل رئيسا انتهى بحقيقة أن النظام الذي أقامه الخميني هو مصدر كل المشكلات التي تعانيها إيران.

وقد فشلوا في ترجمة تلك الحقيقة إلى عمل إصلاحي صلب لسببين:

الأول هو أنه على عكس الصين الشيوعية، لم تؤسس إيران حزبا حاكما يمكن من خلاله للفصائل المتنافسة تسوية نزاعاتها الآيديولوجية. وفي الصين، تمكن الفصيل الذي يقوده تشو إن لاي ودينغ شياوبينغ من هزيمة عصابة الأربعة داخل آلة الحزب.

أي محاولة من هذا القبيل في إيران قد تؤدي إلى مواجهة مفتوحة، وهذا ما حدث عندما تحدى بني صدر الخميني، وذهب. المثال التالي على ذلك «الحركة الخضراء» في عام 2009، التي حاول فيها الفصيل الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق مير حسين موسوي اختطاف جزء من السلطة من فصيل خامنئي.

وقد ظهر الخلاف بين الفصيلين المتنازعين اللذين يقودهما خامنئي وأحمدي نجاد، رغم عدم قوته، إلى العامة، حيث شكك أحمدي نجاد في بعض السياسات الرئيسة للنظام، بما في ذلك الاستفزاز المتعمد ضد الولايات المتحدة. وخلال زيارته الأخيرة إلى نيويورك، تحدث أحمدي نجاد في خمس مناسبات منفصلة عن الرغبة في التفاوض مع الولايات المتحدة. واعترف أيضا بأنه ربما كان مخطئا في إنكار الهولوكوست. وغني عن القول: إن فصيل خامنئي انتقد أحمدي نجاد علنا على إرساله إشارات إلى الولايات المتحدة، وألقت عليه اللائمة في الوقت ذاته بتعميق الأزمة الاقتصادية.

السبب الثاني لفشل فصيل خامنئي في تغيير مسار النظام كما حدث في الصين، هو خوفهم من نقل الأمر إلى الأفراد ودعوتهم إلى الاختيار بين الرؤى المتناحرة. فهم يعلمون أن اللجوء إلى الشعب يعني نهاية النظام الذي فقد الكثير من شرعيته.

النظام الخميني لا يمكن إصلاحه، حتى وإن حصل فصيل ما يسمى «الإصلاحيين»، ناهيك بزمرة أحمدي نجاد، على اليد العليا.

فمشكلة إيران الحقيقية هي سياسية لا اقتصادية.