ماذا فعل العزيز هنري؟

TT

بنى هنري كيسنجر نصف تاريخه السياسي على إقامة وتولي العلاقة الأميركية مع الصين. فيما كانت بكين تهاجم كل يوم - دون استثناء - النمر الأميركي الذي من ورق، وترمي بالرأسمالية إلى مزبلة التاريخ، ذهل العالم وهو يشاهد ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته عند ماو تسي تونغ عام 1972، يشربون الشاي بالياسمين ويتمازحون، وماو يحدث قادة النمر الورقي عن مدى أهمية المترجمة التي تنقل الكلام.

كتب كيسنجر مئات آلاف الكلمات عن الصفقة الانتصار التي دبَّرها بين أميركا والصين، آخرها كتاب ضخم عنوانه من كلمة واحدة: «الصين»! وهو - كما كان يصنف الناقد السينمائي الراحل سمير نصري الأفلام المملة والمعلّة - لمن يرغب.

راهنت أميركا يومها على العداء المقيم بين الصين والاتحاد السوفياتي، فخطفت بكين من موسكو نهائيا في صفقة لا تصدق إلا في السياسة. وفي السياسة نفسها هناك عقد لا يصدق اليوم بين الصين وروسيا الاتحادية، وصل إلى حد تعويد بكين على استخدام الفيتو بدل الورقة البيضاء.

ما الذي يقيم هذا الحلف المفاجئ أكثر من الزيارة الأميركية؟ يوم الثلاثاء الماضي اتفق الزميلان عبد الرحمن الراشد والزميل سركيس نعوم في «النهار» على أن السبب الأساسي في الدوافع هو خوف الصين على التيبت وخوف روسيا الاتحادية على الشيشان. ولا شك أن هذا سبب أساسي لكن لا يكفي لتفسير الحلف الجديد.

فقد حوّل فلاديمير بوتين غروزني إلى رماد وجذع شجرة وحيدة قائم. وقمعت الصين التيبت دون هوادة حتى عوَّدت أهلها على الصمت، والعالم على السكوت. ولم يبق من نضال التيبت في العالم سوى ضحكات الدالاي السابق وثوبه الأرجواني. الأرجح أنه صار لزاما أن نتطلع إلى الصين بعين ثالثة لا علاقة لها بكل ما عرفنا في الماضي. اليوم هي دولة قد تتجاوز الولايات المتحدة اقتصاديا في أي وقت، كما تجاوزت اليابان الإمبراطورية البريطانية أوائل الستينات. وربما انتهى عصر استمر خمسة قرون من تفوق الغرب. فعندما أقام كيسنجر العلاقة مع بكين لم يكن يعرف أي قمقم يفتح. واليوم إذ تتجاهل بكين رغبات أميركا في سوريا، فلأن النمر لم يعد قادرا على أن يهز ذنبه بغضب.