«لَهون وحاج»!

TT

المتابع للشأن السوري وما يحدث من ردود فعل من قبل نظام بشار الأسد على وقائع الثورة السورية الشعبية التي زلزلت أركان حكمه وفضحت نظامه، لا يملك القول إلا بأن هذا النظام لم يعد ينظر إليه على أنه نظام مجرم ودموي وفاجر ووحشي ولكنه تحول إلى نظام «مهرج» و«تافه» يمكن مقارنة حلقاته المختلفة بأفلام إسماعيل ياسين في حقبة الستينات من القرن الميلادي الفائت.

فإسماعيل ياسين أنتج أفلاما باسمه تحكي عن تجربته في الجيش والبحرية ومتحف الشمع والطيران بل وحتى مستشفى المجانين. النظام السوري اليوم يجسد ذلك؛ فها هو بشار الأسد الذي أصبح «عسكريا» في خمس دقائق عبر برنامج مكثف احتل به من الرتب والأوسمة ما لم يحصل عليه نابليون والإسكندر وهتلر وروميل مجتمعين! وأصبح رئيسا لسوريا في أقل من دقيقة في «طبخة» سياسية معدة مسبقا «فشر» المطبخ السوري العريق أن يأتي أو أن يجود بمثلها.

فبعد انقضاء مشاهد أفلام بشار في الجيش، ثم بشار في الرئاسة، جاءت تباعا مشاهد بشار في العروبة وهو يخاطب زعماء العرب ويبتعد عنهم ليرتمي في أحضان إيران، ثم جاء بعد ذلك مشهد بشار في لبنان وهو ينسحب مع جيشه بعد اتهامه بأنه وراء جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ومجموعة أخرى من الساسة والإعلاميين اللبنانيين، حتى جاءت الآن مشاهد بشار في الثورة وكل مشهد منها أقوى من الذي قبله. فمن إنكار تام إلى إلقاء اللوم كله على مؤامرة كونية تستهدف نظام المقاومة والممانعة (كونه لا يزال هو نفسه مصدقا أكذوبة أن كلمة ممانع ومقاوم هذه لوحدها أقوى فيلم!) وتحول إعلامه إلى وسيلة تهريج هائلة تقدم فقرات تسمى بالتحليل السياسي وهي أقرب منها للردح الفاضح لتعوضنا عن مشاهد نظام القذافي في أيامه الأخيرة، وهي التي كانت فقرات ساخرة أنجح من الكاميرا الخفية، إلا أن ابتداعات نظام بشار الأسد أكثر فجاجة وأوقح وأثقل ظلا ولكنها تظل محسوبة ولا شك على فقرات التهريج كتصنيف.

ولعل ما حدث منها مؤخرا بحق الرئيس المصري محمد مرسي وزعيم حركة حماس خالد مشعل لا يمكن وصفه ولا تصنيفه إلا بأدنى عبارات الردح السياسي. فالألفاظ التي وصف بها الرجلان والأسلوب الذي كان هذا الإعلام يتحدث به عنهما لا يمكن أن يقبل من نظام سياسي فيه ذرة من الاحترام. ولكن مرة أخرى من يدمر بلده ويقتل شعبه ويبيد تاريخه فلا يكون عنده أي ذرة احترام وتقدير لا لبشر ولا لحجر فلا يمكن أن يرجى منه خير في أي أمر.

لعل أشهر و«أسقط» كلمات بشار الأسد حينما وصف ذات يوم العرب بأنهم أنصاف رجال قالها متلعثما وهو يتصبب عرقا ولكنه استمتع وفرح بنفسه مع فريق المطبلين من حوله وهم يصفقون ويرددون الشعار الأحمق الأهوج «بالروح بالدم نفديك يا بشار»، كانت لحظة من النشوة السياسية الزائفة ليدخل البخار إلى رأسه (ويصدق حاله) وها هو اليوم يفقد أي ذرة كرامة بقيت لينال كراهية شعبه والعالم الحر.

مشاهد حلب المدمرة بتاريخها وحاضرها، تضاف إلى سائر المدن السورية التي كويت من مظالم هذا النظام المجرم. حلب التي كانت أيقونة الشرق في جمالها وأدبها ومعمارها وفنها ورسمها وغنائها وطربها ومطبخها وأهلها وعاداتها وعلومها وتسامحها أجبرها بشار الأسد أن ترتدي الأسود وتكتسي بالحزن العميق. دكها بالصورايخ ودمرها بالطائرات وأذلها بالرصاص، هذه هي عطايا بشار الأسد لأهله وشعبه. ولكنه سيعرف مكانه قريبا، سيلحق بهولاكو وهتلر وصدام حسين والقذافي، فمكانه في قمامة التاريخ وفي الدرك الأسفل منه كما يستحق.

لم تعد الكلمات مجدية في الحديث عن فظائع بشار الأسد وجرائمه ومهما ظهرت أدلة وحقائق عن أفعاله هي في الواقع أقل بكثير مما أقدم عليه هذا النظام المجرم. ومن سخرية الأقدار أن يكون حافظ الأسد هو المتحدث باسم العروبة والاشتراكية والحرية وأن يأتي ابنه ليتحدث باسم الممانعة والمقاومة والرجولة. كما يقول الحلبية: لهون وحاج! (أي: إلى هنا وكفاية).

[email protected]