حريق الريال الإيراني

TT

صحيح أن عملية انهيار الريال الإيراني المتواصلة لا تشير للآن إلى أن لحظة انفجار ما قادمة في إيران، كما يردد بعض المهتمين، لكنها تطرح عدة أسئلة عن واقع النظام السياسي الإيراني، داخليا وخارجيا، خصوصا أن لسعة حريق الريال تمس العصب الحساس داخليا (التجار والمواطنين)، وخارجيا (عملاء إيران).

وبالطبع، وكما هو متوقع، فإن النظام الإيراني سيفعل المستحيل، لوقف انهيار العملة الإيرانية، وبالتالي تفويت فرصة أي اهتزازات سياسية داخلية، لكن هذا الأمر يفرض أسئلة عدة، كما ذكرنا، عن مقدرة إيران بالتعامل مع استحقاقات المرحلة. فهل ستستمر إيران بدعم نظام طاغية دمشق بشار الأسد إلى ما لا نهاية، وهو نظام شارف على الرحيل؟ فالمعلن أن طهران قدمت قرابة عشرة مليارات دولار للأسد، أموالا، أو عتادا، وحتى بالرجال، ومعها حزب الله الذي قدم مقاتلين دفاعا عن الأسد، والحزب ممول أيضا من إيران، فهل تستطيع طهران مواصلة هذا التمويل رغم التململ الداخلي، الذي يشكل خطورة حقيقية على النظام السياسي هناك، أم أن الأمر سيدفع إيران للتفكير ليس بعقلانية، بل ببراغماتية الأمر الواقع، والتي تقول لماذا الاندفاع خلف تمويل نظام سيسقط لا محالة بسوريا، خصوصا أن الأوضاع الداخلية في إيران تنبئ بخطر كبير؟

الأمر الآخر أن إيران مهددة اليوم بأنها واقعة بالمنطقة الحمراء التي رسمها لها رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي قام بتشكيل رأي عام قوي، على أثر خطابه بالجمعية العامة للأمم المتحدة، فهل طهران قادرة على مواجهة خطر كبير بهذا الحجم بينما وضعها الداخلي غير مستقر، ومرشح للحظة انفجار، خصوصا أن العقوبات الاقتصادية الدولية مستمرة، مما يعني أن انهيار العملة الإيرانية مستمر أيضا؟

القصة هنا ليست قصة قراءة الودع، أو التمني، بل هي محاولة لمعرفة كيف من الممكن أن يكون التفكير بطهران اليوم مع هذه الظروف الحساسة التي هي من صنع أيديهم بلا شك؛ فمن الطبيعي أن الإطالة في العبث بالمنطقة، واللعب مطولا خارج الأراضي الإيرانية، سينعكس على الوضع الداخلي الإيراني، فكما ذكرنا من قبل فإن الوضع السوري بحد ذاته تحول إلى عملية استنزاف لإيران، اقتصاديا وسياسيا، وبشكل كبير جدا. وأبسط مثال على الاستنزاف السياسي، مثلا، حجم المعلومات التي باتت تسرب الآن عن لقاءات الجنرال قاسم سليماني مع بعض القيادات العراقية، وتحديدا الكردية، فالواضح أن هناك من بات يلجأ للإعلام، وتحديدا الغربي، لإحراج إيران أكثر، وفضح تدخلها السافر في سوريا، خصوصا بعد المعلومات التي ترددت عن الضغوط التي بات يواجهها قاسم سليماني نفسه في إيران بسبب عدم إنجازه أي شيء ملموس في الدفاع عن بشار الأسد، وطوال تسعة عشر شهرا!

وعليه، فليس المقصود هنا القول بأن إيران قد تُغير مواقفها، وإنما القصد هو القول: هل تستطيع إيران الاستمرار بمواقفها، وتحديدا في سوريا؟ وهل طهران أيضا قادرة على الخروج من عنق زجاجة المنطقة الحمراء التي رسمها نتنياهو لطهران في الأمم المتحدة، والوضع الإيراني الداخلي غير متماسك؟ هذا هو السؤال الذي يجب البحث عن إجابة له لأنه سيترتب عليه الكثير، وبكافة الأصعدة، في قادم الأيام.

[email protected]