أزمة إيران وخلاصات سياستها!

TT

في واحد من أبرز مؤشرات الأزمة في إيران، تعرض الريال الإيراني إلى خسارة نحو ثلث قيمته في غضون أسبوع واحد، وهو أمر مرشح للتفاقم إذا ظلت أزمة إيران على حالها، إن لم تزدد عمقا وتدخل في أنفاق جديدة، وهو الأمر المقدر لهذه الأزمة، طالما أن الذين خلقوها هم القائمون على التعامل معها، وقد أكد الرئيس أحمدي نجاد، المعني مباشرة بالأزمة، على أمرين؛ أولهما الإصرار على المضي بذات السياسات التي اتبعتها الحكومة الإيرانية، والثاني اللجوء إلى إجراءات ذات طابع قسري وزجري، بدل البحث عن حلول سياسية وعملية تتجاوز مجرد إدخال القوى الأمنية في معالجة أزمة إيران الراهنة بكل أعماقها.

أزمة إيران تماثل وتشبه، من حيث جوهرها، كل أزمات الدول النامية، التي تظهر لدى قادتها طموحات إمبراطورية، ليس هدفها إحياء الماضي الذي ذهب بلا رجعة واستعادة بعض من أمجاده، بل أيضا التمدد في الفضاء الإقليمي من جهة، والسعي نحو انتزاع موقع في الفضاء الدولي، وغالبا ما يحيط بمثل هذه الطموحات توفر مستوى من عناصر مادية، أولها وفرة مالية، وأساسها في الشرق الأوسط أموال النفط، والثاني امتداد جغرافي للدولة وعدد كبير من السكان مقارنة بما لدى دول الجوار الإقليمي، وحال إيران في هذا الجانب لا يختلف عن حال عراق صدام حسين، لكنه يختلف في واحدة من تلك السمات مع ليبيا معمر القذافي، التي عانت بسبب قلة سكانها.

لقد قادت الطموحات الإيرانية إلى تبني استراتيجية تقوم في السياسة الخارجية على تعزيز قدرات إيران العسكرية، وتوسيع إطار هيمنتها السياسية والثقافية في المجالين الإقليمي والدولي باعتبارها الحاضنة للإسلام الشيعي، وبنيت السياسات الداخلية لهذه الاستراتيجية على تحشيد آيديولوجي، يرى أن التقدم يتواصل، وأن حلول ومعالجة المشاكل القائمة مقبلة لا محالة، وأن الأمور سوف تتحسن، وتحل كل المشاكل، ولا سيما الاقتصادية والاجتماعية، ومنها مشاكل النساء والشباب والعاطلين عن العمل.

وكان من الطبيعي أن يكون هم إيران الأساسي موجها نحو تعزيز قوتها العسكرية والعمل على مشروع نووي، بالتزامن مع بناء علاقات قاعدية داعمة، كان أبرزها علاقات طهران مع دمشق، التي فتحت الباب نحو علاقات قاعدية أخرى، واحدة في لبنان مع حزب الله، وثانية مع الجماعات الفلسطينية وخاصة حركتي الجهاد وحماس عبر دمشق، قبل أن تتطور علاقات إيران القاعدية مع العراق الحالي بقيادة نوري المالكي، وكان الخط الثالث في هموم إيران الإقليمية اتباع سياسة القبضة الحريرية أو القوة الناعمة مع جوارها، وخاصة في الخليج.

وكلفت هذه السياسة إيران كثيرا من مواردها، سواء ما جرى دفعه في سباق صناعة الأسلحة أو في سباق التسلح، ثم ما تم صرفه في المشروع النووي من جهة أو في رعاية القواعد الإقليمية، ومنها تكلفة حزب الله اللبناني، ورعاية حاضنته الاجتماعية والسياسية، إضافة إلى المنح والإعانات التي قدمتها إيران لسوريا في فترات مختلفة، ومنها الإعانات التي تقدمها حاليا لمساعدة السلطات في مواجهة الأزمة القائمة سياسيا واقتصاديا وعسكريا.

وأضيفت تكلفة جديدة على التكلفة الاقتصادية والمالية لسياسة إيران الخارجية في الفترة الأخيرة، وهي ناتجة عن العقوبات الدولية التي تم فرضها على إيران بسبب ملفها النووي، وشملت عقوبات على مبيعات النفط، المورد الرئيسي للعملات الصعبة في البلاد، وعقوبات على المبادلات المصرفية، التي تمنع استعادة أموال مبيعات النفط إذا تم بيعه، وخلاصة العقوبتين سعي لإخراج النفط وموارده من قدرات السلطات الإيرانية.

وإذا كانت أزمة إيران على هذا النحو من الخطورة، فإن ما يزيدها خطرا يكمن في تفسير الأزمة والطريقة التي تتعامل بها السلطات الإيرانية معها، حيث الأزمة، ليست أكثر من «مؤامرة» و«حرب نفسية» و«حرب اقتصادية» تشنها الدول الغربية ضد إيران لإخضاعها، وإن علاجها سيتم عبر سعي المؤسسات المالية الإيرانية لتوفير العملات الصعبة، كما يقول الرئيس الإيراني، وعبر قيام الأجهزة الأمنية بالتصدي للمضاربين بالعملة الإيرانية، كما يقول وزير الصناعة مهدي غضنفري.

خلاصة القول، أن الأزمة الإيرانية قائمة، وهي ناتجة عن خيارات وسياسات حكومة نجاد، وما يترتب عليها من تداعيات إقليمية ودولية أخذت توالي ظهورها خارجيا وداخليا، لعل الأسخن فيها الهبوط الحاد في سعر العملة الإيرانية ومظاهرات الإيرانيين الاحتجاجية على سياسات حكومة نجاد، التي بات عليها تبديل استراتيجيتها العامة، وتغيير سياساتها، قبل أن تأخذ إيران والإيرانيين إلى كارثة محققة، لن تنجو حكومة نجاد من نتائجها.