كلمة للمسؤولين في الغرب

TT

المفروض أنني أخاطب الجمهور العربي، بيد أنني في هذه المقالة أسوق كلامي للغربيين، آملا منهم أن يفهموا هذه الظاهرة. هذه الهجمات التي جرت ضد سفاراتهم ومؤسساتهم لم تكن في الواقع تعنيهم. وما صاحبها من غضب وعنف لم يكن موجها ضدهم، إنه غضبة الشعوب الإسلامية على أحوالها.

لم يلتفت أحد لهذا العامل النفسي في الموضوع. فدعوني أذكرهم بالمثل العراقي: «ما يقدر أبويه غير على أمي!» هذه الهجمات والمظاهرات العنفية هي في أساسها صرخة المثقفين العاطلين عن العمل، والعمال المظلومين في عملهم، وكل المواطنين المحرومين والمستضعفين. يثورون ويبذلون دماءهم ويسقطون الحكومة القائمة فتأتي في مكانها حكومة تبدو أسوأ منها. يخرج العامل العاطل يبحث عن العمل، أي عمل كان. يقضي النهار يلف ويدور، يتوسل ويتخضع، يعود خائبا عند المساء لكوخه الحقير. يمر في طريقه بكل هذه الكازينوهات والرستورانات الغاصة بأناس يتنعمون بالدجاج المحشو والشراب المستورد. يصل للبيت، فماذا يفعل؟ يمسك بزوجته وينهال ضربا عليها ويكسر أسنانها، يتباكى الأولاد فينزل ضربا عليهم.

هذه مشاهد تتكرر يوميا في بيوت الخائبين والمحرومين. الاعتداء على النساء والأطفال وسيلة المحروم والمظلوم. لا يستطيع أن يرفع صوته ضد مسؤول أو يحاسبه، ولا أن يتحرش بعسكره المدججين، فيعود للبيت وينفس عن همه وغضبه بضرب زوجته. «أبويه ما يقدر إلا على أمي»! لا تجد المتنعمين يضربون زوجاتهم؛ فهي ظاهرة طبقية محصورة بالمعذبين. وجدتها في فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي، حيث أصبح اعتداء الرجال على زوجاتهم ظاهرة شائعة.

يدرك الكثير من المواطنين المسلمين، كما في مصر وأفغانستان مثلا، أن لقمة الخبز التي يأكلونها كثيرا ما تتوقف على المساعدات الخارجية وشحنات القمح الأميركي، وأن هذه المرأة البيضاء في الشارع راهبة جاء بها إيمانها الديني لإسعاف الأطفال المقعدين والمشلولين. وغالبا ما يعرفون أيضا أن معظم الدبلوماسيين الغربيين بين ظهرانيهم يتعاطفون مع تطلعاتهم وهمومهم. وفي هذه الأيام يدركون أن كل هذه التحولات الخطيرة التي تمخض عنها الربيع العربي لم تكن لتتحقق لولا الموقف الإيجابي من الدول الغربية. لا بد أن سمعوا وعرفوا أن كل الحكومات الغربية تقف موقفا متعاطفا مع المسلمين والإسلام وتفتح أبوابها للمهاجرين المسلمين، وتوفر لهم ما يلزمهم من سكن ومعاش. ومع ذلك نرى القوم يهرعون لمهاجمتهم وقتلهم وقذف مؤسساتهم بالحجارة لأي سبب كان. لماذا؟ إنها شحنة الغضب الذي يغلي في صدورهم على أحوالهم ومعيشتهم، ويفتش حائرا عن أي منفذ للتنفيس عنه وعليه. فتقع الضربة على السفارات الأجنبية، تماما كما تقع على الزوجات الصالحات.