«أخونة» الرئاسة أم «مرسنة» الجماعة؟

TT

انتهت فترة المائة يوم الأولى من رئاسة الرئيس المصري محمد مرسي، وهي الفترة التي كان قد صرح في أول توليه للمنصب بأنها سوف تكون كافية للحكم على أدائه. هناك تفاوت حتى هذه اللحظة في تقييم الفترة الأولى للرجل، ولكنها بالعموم تعتبر إلى حد ما إيجابية.

فالرجل حتى الآن يعتمد أسلوب المكاشفة في طرح المشكلات، وعدم تعقيد اللغة حين طرح المشكلة على عامة الشعب، وإن كانت الحلول المنفذة حتى الآن لهذه المشكلات غير فعالة بالقدر الكافي.

ويلقي الرئيس مرسي باللوم على ذلك في المقام الأول لحجم الفساد المستشري في البيروقراطية الحكومية المصرية الأسطورية، التي استشرت فيها جذور الفساد بشكل مذهل وهائل، ولكن هناك مؤشرات «مطمئنة» تنتشر في أروقة الدوائر الاقتصادية في مصر، فالحديث عن الدعم المالي الدولي الخارجي لا يتوقف ما بين هبات ومنح من دول صديقة وسياسات القروض من المؤسسات المالية الدولية، التي دوما ما تثير الجدل.

فلليوم وفي أول شهرين من حكم محمد مرسي كان مجمل القروض بقيمة 18 مليار جنيه، وكان تاريخ مصر مع القروض الأجنبية مليئا بالتفاوت، فأول من اقترض كان حاكم مصر سعيد باشا، وبلغ حجم القروض عند وفاته 11 مليون جنيه في عام 1863. ثم جاء إسماعيل باشا الذي حصل على قرض لمقاومة الطاعون البقري بقيمة 5.7 مليون جنيه إسترليني بفائدة 7 في المائة لمدة 15 سنة، وذلك في عام 1864، ثم جاء الملك فاروق بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وجاءت معه طفرة اقتصادية كبيرة، وتم سداد كل الديون وحصل فائض مالي هائل بقيمة 450 مليون إسترليني.

ثم جاء جمال عبد الناصر وثورة يوليو (تموز) التي أعادت سياسة الإقراض من الاتحاد السوفياتي، وتحديدا في التسليح عام 1956، ليكون حجم الدين على مصر 1.7 مليار دولار عند وفاة عبد الناصر في 1970، ليجيء بعد ذلك أنور السادات فتقفز الديون إلى 2.5 مليار دولار مع حرب 1973، وبعد معاهدة كامب ديفيد تزيد الديون الخارجية 8 أضعاف لتصل إلى 21 مليار دولار عام 1981، عند وفاته.

وبعد 7 سنوات من حكم حسني مبارك تضاعفت ديون مصر الخارجية مرتين ونصف المرة، واتجهت مصر لسياسة الخصخصة بحسب شروط صندوق النقد والبنك الدولي لتصل إلى 49 مليار دولار عام 1988، وذلك بعد حرب الخليج الأولى، لتدخل مصر في عمليات إسقاط الديون الداخلية بداية من عام 1990.

وفي عهد رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزوي، ارتفع الدين الداخلي إلى 217 مليار جنيه حتى نهاية حكومته عام 1999، ليجيء بعدها الدكتور عاطف عبيد بحكومته ليرتفع الدين الداخلي إلى 434 مليار جنيه، حتى نهاية حقبته في عام 2004.

وفي حقبة أحمد نظيف، آخر رؤساء وزراء حسني مبارك، سجل الدين الداخلي زيادة هائلة ليصل إلى 962 مليار جنيه، وبعد سقوط حسني مبارك تبين أن الدين الخارجي وصل إلى 35 مليار دولار، والدين الداخلي تجاوز التريليون دولار.

من المهم فهم تاريخ ارتباط تطور مصر الاقتصادي وعلاقته بموضوع القروض، وهو تحدٍّ كبير جدا سيواجه حقبة الرئيس محمد مرسي، وسيكون التركيز فيه على ما يبدو على القطاعات التي توظف الناس بأعداد كبيرة، مثل الصناعة والزراعة والخدمات المساندة، لذلك سيكون الاهتمام أقل في مجالات السياحة مثلا والقطاع المصرفي، إلا لصالح الصيرفة الإسلامية، التي من المتوقع أن تشهد نموا مهما. قد يطرح في مصر رخصة هاتف جوال رابعة، وذلك لجلب «نقد سريع» للدولة ورخص أخرى تملكها الدولة، ومن الممكن أن تجني الكثير بطرحها على الجمهور.

هناك طرح آخر يجري تداوله كثيرا في الأوساط السياسية والثقافية المصرية، وهو معلن بالآتي: هل سيتمكن الرئيس مرسي من «أخونة» رئاسة الجمهورية كمؤسسة أساسية في إدارة شؤون البلاد بمصر، أم أنه سيستطيع وضع بصمته على جماعة الإخوان المسلمين وذراعهم السياسية (حزب الحرية والعدالة) و«يمرسن» التيار كله؟ سؤال فرضي ولكنه مهم.. قرارات وسياسات وإشارات محمد مرسي ليست كلها من رحم تفكير الجماعة بالشكل التقليدي، وهو يدرك أن الكرسي الأكبر في حكم مصر يتطلب قدرا مهما من السياسة والمرونة والمراعاة لتحقيق توازن دقيق حتى يحقق أمل الشعب بأن يكون رئيسا لمصر وليس لجماعة بعينها.

الجانب الشعبي والرضا النفسي حتى الآن في صالح الرئيس مرسي، ولكن الأيام المقبلة بحاجة لنتائج فورية وملموسة، فالشعب المصري أرهقته الوعود الزائفة وقتل روحه الفساد، ولن يقبل بأن يُخدع مجددا لا باسم الثورة ولا باسم الدين.

[email protected]