السلام الدائم من منظور نتنياهو

TT

على مر السنين، أشار نتنياهو مرارا وتكرارا إلى أن إسرائيل ترغب في سلام دائم مع فلسطين، وأن إسرائيل تبذل قصارى جهدها من أجل التوصل إلى سلام دائم. جاءت آخر إشارة له حول هذا الموضوع في يوم 27 سبتمبر (أيلول) الماضي، في خطابه بالجمعية العامة للأمم المتحدة، قال: «لن نوفر حلا لنزاعنا بخطابات تشهيرية في الأمم المتحدة. ليست هذه هي الطريقة المناسبة. لن نحل نزاعنا بتصريحات أحادية الجانب عن الانتماء لدولة. علينا أن نجلس معا ونتفاوض ونتوصل إلى تسوية مشتركة، تعترف فيها دولة فلسطينية منزوعة السلاح بالدولة الوحيدة للشعب اليهودي».

وفي خطاب سابق في عام 2011 في الأمم المتحدة، استشهد بمقولة الحبر مناحم سكنيرسون: «الأمم المتحدة هي بيت الأكاذيب». والسؤال هو: هل نتنياهو رجل صادق؟ حينما يتحدث عن السلام الدائم ويؤكد عليه، هل يفكر بحق في الشيء نفسه في أعماق قلبه؟

قبل أكثر من عشرة أعوام، أصر على العدالة والسلام والحقيقة. وفي كتابه، كتب عن السلام الدائم: «يمكن لإسرائيل أن تحقق السلام مع دول الجوار العربية. ولكن لكي يستمر هذا السلام، يتحتم أن تكون هناك أسس من الأمن والعدل، وفي المقام الأول، الصدق» (ص: 321 - 322).

دعوني أذكر لكم استشهادين بارعين. أولا: كما روى صديقي نكتة ذات مغزى: «هل تعلم ما الفرق بين شخص وقح ويهودي؟ الشخص الوقح يرحل من دون أن يقول وداعا، لكن اليهودي يقول وداعا من دون أن يرحل!». وهذا يعني أن إسرائيل لا تتخلى عن أي جزء من فلسطين. اتفاقية السلام مثل قول «وداعا»!

ثانيا: أعتقد أن هناك تشابها بين اليهود والإيرانيين! مثلما نعلم، لكل من اليهود والإيرانيين تاريخ طويل. في الكتاب المقدس، نجد بعض الأسفار وعددا هائلا من الآيات عن العلاقة بين الدولتين. على سبيل المثال، يمكننا أن نجد العديد من الآيات في أسفار عزرا وإشعياء ودانيال وأستير ونحميا وأخبار الأيام عن الملك الفارسي سايروس وبلاد فارس. وفي العبرية، تعتبر الكلمة المستخدمة في الإشارة إلى سايروس هي نفس الكلمة الفارسية: كورش.

حينما كنت عضوا في الوفد الإيراني الذي سافر لإجراء مفاوضات مع العراق، كنا في جنيف، وشرح جياندومينيكو بيكو، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، الصعوبات التي واجهها في مقابلاته مع الإيرانيين! استشهد بقول السير دينيس رايت، السفير البريطاني لدى إيران، الذي قال: «الإيرانيون هم شعب يقول نقيض ما يؤمن به، ويفعل عكس ما يقوله ويؤمن به!».

من الواضح أن ثمة حس دعابة قويا في قول رايت، غير أن هذا لا يعني أنه مخطئ تماما. أعتقد في الأغلب أن السلوك الإيراني أشبه بسجادة مصنوعة من الحرير الفارسي، مليئة بالغموض والجمال.

وبالعودة مجددا إلى خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة، نجد أنه لم يتحدث كثيرا عن فلسطين، في حين تحدث كثيرا جدا عن إيران. الآن، دعوني أركز على ما قاله عن فلسطين. فمثلما نعلم، يعتقد أن الأمم المتحدة هي بيت الأكاذيب. ولكن هل هو رجل صادق؟ من الواضح جليا أن الكذب والخداع تقليدان تاريخيان لهما جذور متأصلة في الكتاب المقدس. على سبيل المثال، خدع النبي يعقوب، بدعم من والدته رفقة، النبي إسحاق، ونال يعقوب البركة. مثلما نعلم، لعب يعقوب دورا بارزا في تاريخ إسرائيل، واستطاع ببراعة أن يشق طريقه إلى النبوة (انظر إلى الكتاب المقدس، سفر التكوين، الآيتين 26 و27). يقول نتنياهو إننا في إسرائيل، نسير في المسارات نفسها التي انتهجها نبينا يعقوب.

حينما كان شيمعون بيريس - نائب بن غوريون - يروج لمشروع الأسلحة النووية الخاص بإسرائيل، اعترف بصراحة بأنه لتحقيق مصلحة إسرائيل، يمكنه أن يقول أي شيء حتى لو كان معلومات خاطئة.

قال نتنياهو: «نسعى إلى سلام دائم مع الفلسطينيين». يبدو أنه يروق له مصطلح «دائم»، حتى إنه استخدمه في عنوان كتابه: «سلام دائم.. إسرائيل وموقعها بين الدول» («وارنر بوكس»، 2000).

ما أرغب في قوله هو أنه بكل صراحة يعتبر السلام الدائم أكذوبة كبرى.

في خطاب نتنياهو، يمكننا أن نجد بعض الإشارات الواضحة الدالة على أنه لم يؤمن في حقيقة الأمر بالسلام، فما بالك بالسلام الدائم؟ لماذا أعتقد ذلك؟

1) في الفقرة الأولى من خطابه، يزعم أن الدولة اليهودية هي العاصمة الأبدية لإسرائيل، وهو يعني بهذا أن بيت المقدس هو العاصمة الأبدية لإسرائيل، وهذا لا يترك أي مساحة للتفاوض حول الجزء الشرقي من بيت المقدس.

2) بعث نتنياهو رسالة واضحة لمحمود عباس وجميع الفلسطينيين: «لن ننهي نزاعنا بخطابات تشهيرية في الأمم المتحدة. ليست تلك هي الطريقة لإنهاء النزاع. لن نوفر حلا لنزاعنا بخطابات تشهيرية في الأمم المتحدة. ليست هذه هي الطريقة المناسبة. لن نحل نزاعنا بتصريحات أحادية الجانب عن الانتماء لدولة. علينا أن نجلس معا ونتفاوض ونتوصل إلى تسوية متبادلة، تعترف فيها دولة فلسطينية منزوعة السلاح بالدولة الصهيونية الوحيدة».

الآن، يعتبر هذا مفهوما جديدا للسلام الدائم، وعلينا أن نوجه الشكر لنتنياهو على هذا! من جانب، هناك دولة يهودية تملك أسلحة نووية، وعلى الجانب الآخر، يجب أن تكون فلسطين منزوعة السلاح تماما! فضلا عن ذلك، فإنه يتعين على إسرائيل إنشاء قواعد عسكرية في الأراضي الفلسطينية. لكن هل يقدم تبريرات حقيقية لهذه المطالب؟ في خطاب آخر ألقاه في الأمم المتحدة، أوضح نتنياهو أن القاعدة العسكرية ستكون مماثلة للقواعد الموجودة في أميركا وألمانيا واليابان.

3) من الواضح جليا أن إسرائيل تخطط يوميا لإنشاء مستوطنات جديدة ومستمرة في تدمير منازل وحقول الفلسطينيين. يقول نتنياهو إن المستوطنات مستمرة بسبب النزاع، لا أن النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو السبب الرئيسي وراء توسيع نطاق المستوطنات.

الحقيقة المرة التي نحن بإزائها هنا هي أن إسرائيل، يوما بعد يوم، وتدريجيا، تدير حلا لا يعتمد على قيام دولة. بالنسبة لفلسطين، ترغب إسرائيل في أن تصبح فلسطين دولة من دون أي جيش أو حدود واضحة أو مطارات، وما إلى ذلك. وهذا يعني أنه حل لا يعتمد على قيام دولة.