استراتيجية جديدة لإنهاء الحرب في أفغانستان

TT

في الوقت الذي تستمر فيه الحرب الأفغانية التي يتم تجاهلها، كشف مسؤولون أميركيون وأفغان وباكستانيون عن استراتيجية «اللعب على المكشوف» التي من شأنها أن تعمل على تقويض مطالب كل جانب إلى الحد الأدنى من الشروط بغية الهروب من الأزمة الدبلوماسية الراهنة.

ويتمثل الهدف من هذه الاستراتيجية في إيجاد سبيل لانسحاب القوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي من الحرب التي لا يمكن أن تحسمها القوة العسكرية وحدها، ووضع إطار للانتقال والتحول السياسي بحيث يتم خفض مطالب كل جانب إلى الضروريات الأساسية التي لا يمكن اختزالها - بمعنى تقديم عرض لكل طرف أفضل مما يمكن أن يحصل عليه عن طريق القتال.

ويشبه المسؤولون الأميركيون الذين شاركوا في المناقشات غير الرسمية هذا النهج بإعلان «داونينغ ستريت» الصادر عام 1993 بشأن آيرلندا الشمالية، حيث أدى هذا الإعلان إلى تقليص المطالب الأساسية للطائفتين الكاثوليكية والبروتستانتية، وهو ما أدى إلى ما يعرف باسم اتفاق الجمعة العظيمة عام 1998 والذي وضع حدا للحرب الأهلية هناك.

وكشف مسؤولون أميركيون النقاب عن هذا النهج خلال اجتماعهم بالجنرال إحسان الحق، رئيس جهاز المخابرات الباكستانية السابق والرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة في باكستان، والذي حدد «خارطة طريق» مكونة من سبع نقاط خاصة بهذا النهج، وذلك في محادثات أجريت في الآونة الأخيرة في مركز نيكسون بالعاصمة الأميركية واشنطن. وقال إحسان الحق إن الهدف من هذه المحادثات يتمثل في التركيز على التحول السياسي، بدلا من المأزق العسكري.

وأضاف إحسان الحق أن المطالب الأميركية تتمثل في نقطتين أساسيتين، هما عدم وجود أي قوات لتنظيم القاعدة في أفغانستان، وعدم العودة لسياسات حركة طالبان القمعية تجاه المرأة؛ أما بالنسبة لمطالب حركة طالبان الأساسية وغير القابلة للاختزال فتتمثل في عدم وجود قوات أجنبية في أفغانستان.

وأشار الجنرال الباكستاني إلى إمكانية تحقيق هذه الشروط، مضيفا أن زعيم حركة طالبان الملا محمد عمر، في رسالته الأخيرة بمناسبة عيد الفطر المبارك، كان قد دافع عن محادثات السلام مع الولايات المتحدة كوسيلة لـ«تحقيق أهدافنا»، وشدد على أن حركة طالبان «ستمنح المرأة كل حقوقها الشرعية في إطار المبادئ الإسلامية والمصالح الوطنية والثقافة الباكستانية العظيمة». وعلاوة على ذلك، أصدرت حركة طالبان تصريحات أخرى تهاجم تنظيم القاعدة وترفض ما يقوم به.

وتتضمن «خارطة طريق» إحسان الحق المطالب الأساسية لأطراف أخرى، مثل الطاجيك والهزارة في أفغانستان، حيث شدد إحسان الحق على ضرورة إعادة إعمار المناطق التي توجد بها هذه القوميات، وتقديم المساعدات الاقتصادية لهم، فضلا عن ضرورة وجود عملية موسعة للمصالحة الوطنية - وهي العملية التي أكد الملا عمر دعمه لها في رسالته الأخيرة. وعلاوة على ذلك، اقترح إحسان الحق ضرورة وجود نوع من الحياد الأفغاني حتى يمكن إحلال السلام والهدوء في المنطقة، مع عدم وجود تدخل أجنبي. وحتى يمكن تهدئة المخاوف الباكستانية، اقترح إحسان الحق ضرورة عودة الملايين من اللاجئين الأفغان الذين فروا من أهوال الحرب، إضافة إلى إقامة حدود أكثر «صلابة وتنظيما واستقرارا» بين أفغانستان وباكستان.

وفي الوقت الذي انبثقت فيه الصيغة التي قدمها إحسان الحق من عملية «المسار الثاني»، فهناك أيضا مناقشات مماثلة تدور بين «مجموعة أساسية» تضم الولايات المتحدة وباكستان وأفغانستان. وكشفت وزيرة الخارجية الباكستانية هينا رباني خار النقاب عن المحادثات الثلاثية السرية التي أجريت الشهر الماضي، ويقول مسؤولون إن الباكستانيين يحثون حركة طالبان على الدخول في المفاوضات. ومن الواضح أن الباكستانيين قد خلصوا إلى أن الانتقال السياسي عن طريق التفاوض أفضل للأمن الباكستاني من الانتقال بالقوة واحتمال نشوب حرب أهلية. ومن بين النجاحات التي حققها الفريق الأساسي هو أن باكستان وأفغانستان والولايات المتحدة قد اتفقت على ترتيب «ممر آمن» بحيث يتمكن قادة طالبان من حضور مباحثات السلام داخل أفغانستان.

وواصل المبعوث الأميركي الخاص لأفغانستان وباكستان مارك غروسمان تحركاته الدبلوماسية المكوكية في محاولة لإقناع الأطراف الأفغانية بالحوار الذي يمكن عن طريقه تفادي حرب أهلية عندما تبدأ الولايات المتحدة في سحب قواتها القتالية الرئيسية خلال العام المقبل. ومن بين العوامل الإيجابية كان التوصل إلى اتفاق في مايو (أيار) الماضي في ما يسمى بوثيقة «الشراكة الاستراتيجية» التي تتعهد فيها واشنطن بالاستمرار في دعم قوات الأمن الأفغانية لمدة 10 سنوات بعد رحيل قوات حلف شمال الأطلسي عام 2014. ويعتقد غروسمان أن هذه الوثيقة سوف تطمئن الأفغان (لا سيما الطاجيك والهزارة وغيرهما من الفئات التي لا تنتمي لقبائل البشتون) بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عنهم - وتحذير طالبان من أن الأمور لن تكون سهلة في كابل بعد رحيل معظم القوات الأميركية عام 2014.

وقد اتخذ الإحباط من الحرب الأفغانية طابعا دراميا في الآونة الأخيرة إثر الزيادة الحادة في الهجمات «الخضراء على الزرقاء» - مقتل جنود قوات التحالف على أيدي نظرائهم الأفغان - الذين من المفترض أن يقدموا لهم يد العون.

وبالنظر إلى الأزمة التي تشهدها أفغانستان، فربما ندرك أن الحرب الدائرة هناك - واستراتيجيات إنهائها - ستكونان محل اهتمام كبير في حملة انتخابات الرئاسة الأميركية، ولكن مع الأسف يواصل الجنود والدبلوماسيون العمل في إطار فراغ سياسي، ويتعامل المرشحون كما لو أن الصراع الوحشي الدائر في أفغانستان سينهي نفسه بنفسه.

* خدمة «واشنطن بوست»