أمسية في «ديوان حديث الأمة»

TT

اجتمعنا في «ديوان حديث الأمة» لسماع ما يدلي به الباحث المصري مجدي عباس عن «اللغة الفرعونية بعيون عربية».. وكان مما أفاد به الباحث الفاضل أن علماء من العراق حاولوا في القرن الأول بعد الميلاد فض أسرار الكتابة الهيروغليفية، وكانوا سباقين في ذلك.

كنا شلة من المثقفات والمثقفين العرب، فسرعان ما جرنا الموضوع إلى الحديث عن الإبل.. «أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت». لماذا سادت اللغة العربية وحلت محل اللغات؛ الفرعونية في مصر، وفي عموم شمال أفريقيا، وعجزت عن هذا الإنجاز في إيران التي ظلت محتفظة بلغتها الفارسية، رغم تغلغل الكثير من مفردات وتراكيب اللغة العربية فيها (نحو الثلث). يدعي الإيرانيون أن ذلك يعود لقوة الشعور القومي للإيرانيين.. فلم يتنازلوا عن لغتهم القومية وظلوا متمسكين بالفارسية، في حين استسلم سكان مصر والمغرب للغة العربية.

وهنا انبرت الباحثة العراقية لميس عبد الله فأشارت إلى الجمل.. قالت إنه حيثما ذهب الجمل حمل معه اللغة العربية.. هكذا سادت في عموم شمال أفريقيا، وإلى الجنوب.. إلى مالي وموريتانيا والسودان وعموم الصحراء الكبرى.. وكلها مرتع للإبل. بيد أن الجمل لا يستطيع تسلق جبال إيران العاتية. وكذا الأمر في العراق.. شاعت العربية في الجنوب حيث انتشرت الجمال، ولم تنتشر في الشمال.. كردستان، لطبيعة المنطقة الجبلية، فبقي الكرد يتكلمون بلغتهم الآرية الخاصة.

وهنا وقف أحد الشعراء من بين الحاضرين فأيد طرح لميس التي أثارت قريحته الشاعرية فأنشد وقال:

إذا قالت لميس فصدقوها

فخير القول ما قالت لميس!

ضج الحاضرون بين ضحك وإعجاب وتصفيق، قبل أن ينفضوا لفترة الاستراحة والعشاء الدسم من كبدة ولحمة وفرخة ودولمة من مساهمات الأخوات الحاضرات. وفي فترة الاستراحة زجني الدكتور فاضل الديواني بهذه الفكرة الخطيرة عن الجمل.. قال إن التاريخ يسجل للعراقيين القدماء اختراعهم العجلة. وهذا اختراع خطير لم يكن بالإمكان تطور أي تكنولوجيا من دونه.. استعمله العراقيون بكثافة، لا سيما في فتوحاتهم العسكرية وسحل أعدائهم كما صورها الآشوريون في منحوتاتهم. بيد أن دخول العرب إلى العراق جاء بالإبل، فحلت محل المركبات في حركة النقل، فاختفت العجلة من الساحة.. فالبعير لا يجر المركبات كما يفعل الحصان والحمار، وإنما يحمل البضائع والمسافرين على ظهره، وهذا أدى إلى التفوق التكنولوجي لسائق المركبة على سائق الجمل، فصنع العجلة ينطوي على حرفة وتكنولوجيا دقيقة، كما أن استعمال المركبات يتطلب شق وتعبيد طرق وتطوير نظم للسير وسوق المركبة.

لا أدري إن كان ذلك عاملا من العوامل الكثيرة التي أدت إلى تفوق الغرب والشمال على الشرق والجنوب، ولكنني أتحرق للندوة التالية من «ديوان حديث الأمة» لأستمع لرأي الباحثة الفاضلة لميس في هذا الخصوص.