السعوديات.. الساق الأخرى

TT

بحسب تقرير وزارة التخطيط والاقتصاد الوطني فإن معدل مشاركة المرأة السعودية في قوة العمل الوطنية بلغ حتى 2008 نحو 11.5 في المائة، نسبة بالكاد ترى بالعين المجردة.

لذلك وضعت خطة التنمية الحالية (الخطة التاسعة 2010 - 2014) عددا من السياسات لزيادة هذه النسبة بفتح مجالات عمل للمرأة السعودية في مواقع مختلفة من سوق العمل، في محاولة لتجاوز العراقيل في تطبيق قرار مجلس الوزراء 2004 الذي جاء بتوسيع مجالات عمل المرأة.

نظاما، مسموح للمرأة بالعمل في كل المجالات التي يعمل بها الرجل في القطاعين العام والخاص؛ في الأجهزة الأمنية والخدمات العامة والمصانع والتجارة، عدا استثناءات قليلة لا تتناسب مع تكوينها الجسماني، كالعمل في المناجم أو الصرف الصحي أو ورش الحدادة. بل لقد أوغل نظام العمل في دقة تحديده لمواقع العمل التي تمنع منها المرأة مثل العمل في تفضيض المرايا بواسطة الزئبق، وصناعة القصدير المحتوي على أكثر من 10 في المائة من الرصاص، وصناعة الفحم من عظام الحيوانات، وأعمال البناء التي تتطلب العمل على السقالات، وصناعة المفرقعات.. من يقرأ هذه القواعد يظن أن المرأة السعودية تعمل في شتى المجالات المسموحة عدا هذه الاستثناءات. نظريا، هذا ما أقره مجلس الوزراء، وبنت عليه وزارة العمل العديد من أنظمتها، لكننا في الواقع لا نزال في أول الطريق.

تتوقع خطة التنمية السعودية الحالية أن نحو ربع مليون مواطنة سعودية سيتوجهن إلى سوق العمل خلال أربع سنوات، نصفهن لسن جامعيات، أي أننا أمام عشرات الألوف من ذوات التعليم المتوسط في انتظار التأهيل والتدريب والإعداد، ثم الولوج إلى القطاع الخاص. ومثلهن جامعيات وحملة شهادات عليا من الداخل والخارج في انتظار مواقع وظيفية تتناسب وتخصصهن الدراسي. مهمة ليست بالسهلة للجهات المعنية.

وزارة العمل السعودية قدمت لسوق العمل 54 ألف وظيفة للمرأة خلال الأشهر العشرة الماضية، نسبة تدل على جهد كبير، لكنها غير كافية أمام مليون طلب وظيفة.

من الناحية التنفيذية، وزارة العمل هي جهة الاختصاص في توفير وظائف للعاطلات، وسن القواعد المنظمة وتحديد اشتراطات بيئة العمل، وهي فعليا تستميت في اختراع برامج وآليات وأنظمة لتوفير فرص وظيفية للسعوديات، ولكنها تصطدم بكثير من المعوقات الثقافية والاجتماعية وتجد نفسها منفردة في مواجهة تحديات ليست من اختصاصها، وربما لا تملك الصلاحية في التعاطي معها، على الرغم من أنها، أي الوزارة، ليست الجهة الوحيدة، بل إنها ليست الجهة الرئيسية في تذليل هذه العقبات.

إن للمثقفين ورجال الدين في المملكة دورا كبيرا لا يقل عن دور صناع القرار في تمكين المرأة السعودية من سوق العمل، والمبادرة في توعية المجتمع بأهمية مشاركة المرأة في مناحي الحياة العملية، وأن طاقتها وقدرتها هي نصف طاقة وقدرة المجتمع، والنصف ليس بقليل.

السعودية دولة محافظة، بشعب محافظ، ليس حديث عهد بالإسلام ولا هو من المؤلفة قلوبهم، والتعاليم الدينية جزء لا يتجزأ من قناعاته ومبادئه وممارساته اليومية، وكل مشروع تنموي مهما علا شأنه، لن يجد له أرضا إلا في ظل الدستور المستمد من الشريعة الإسلامية. وبالتالي فإن حق المرأة في العمل مكفول لها بناء على هذا الدستور، لها أن تعمل في الأعمال المشروعة التي أجازها النظام وعليها مسؤولية الالتزام بالقانون أثناء ممارسة عملها.

ليس من المصلحة أن تمر المرأة السعودية بالتجربة نفسها التي مرت بها خلال مشوارها مع التعليم، لقد تأخرت مدارس البنات في مناطق شاسعة من المملكة أكثر 10 سنوات، وتعطل دخول السعوديات لسوق العمل 40 عاما، فهل سنختار أن تتجمد قدرات وطنية نوعية مؤهلة من خارج المملكة وداخلها في ثلاجة الجدل الاجتماعي أعواما مقبلة؟

إن التنمية ماراثون طويل، مرهق وشاق، ودول العالم تتسابق فيه بشراسة لتحتل مواقع ريادية. منافسة المملكة في هذا الماراثون لا يمكن أن تتأتى إلا وهي تسير على ساقين: المرأة والرجل، مهما بلغت من الاجتهاد والعزيمة والدعاية فلن تبلغ الدولة أهدافها بساق واحدة. إنها سنة الحياة منذ خلق الله تعالى الكون، وأوجد آدم ورفيقته حواء وأنزلهما ثنائيا لعمارة الأرض.

[email protected]