أحمد المهنا لم يشتم أميركا

TT

بعد سنوات من البحث والمقابلات والعمل الوثائقي، طلع علينا الكاتب والصحافي العراقي أحمد المهنا بكتابه «الأمر رقم واحد». سمعنا من قبل بالبيان الأول الذي اعتاد الانقلابيون والثوار على نشره حالما يتسلمون الحكم ويعلنون انتهاء «العهد البائد». غير أن من تسلموا الحكم من يد الأميركان عام 2003 لم يصدروا البيان الأول، فهم لم يقوموا بأي ثورة ليصدروا بيانا فاكتفوا بالأمر رقم واحد. لم ينطق بأي شيء بالنسبة للعهد الجديد وما سيحمله من خيرات ومساواة ومسرات. انصب على شيء واحد: اجتثاث البعث. بعبارة أخرى، الثأر والانتقام ممن سلفوهم في الحكم ولم يشاركوهم في اقتسام الكعكة. طلب الثأر شيمتنا في الحياة، شخصية كانت أو عامة. ولكنه هنا أخذ أسبقية لم تسبقها سابقة في التاريخ. الكتاب سلسلة من المقابلات مع أصحاب العلاقة، أي من حظوا بالكعكة الآن وراحوا يتعاركون على اقتسامها، فالأمر رقم واحد لم يتعرض لهذا الموضوع وإنما ركز على الانتقام من البعثيين. فالثأر عندنا كثيرا ما يكون أحلى من أي كعكة، حتى لو كان حشوها 5.‏3 مليون برميل نفط يوميا.

بيد أن الكاتب ينقلنا إلى موضوع آخر له أصداء في الأيام الأخيرة التي شهدت نوعا آخر من روح الثأر تمثل في الهجمات على المؤسسات الأميركية ومن فيها من دبلوماسيين. كان الكاتب قد عرض كتابه «المسألة العراقية» على دار نشر في مصر. وجرى التعاقد مع الدار على نشر الكتاب، بيد أن الناشر سرعان ما تراجع عن عرضه لسبب بسيط، وهو أن الكاتب لم يشتم أميركا في الكتاب، أو كما قال: «لم أقُم بواجب التعوذ من أميركا ولعنها»، بل وأعرب عن ميله إليها في قيامها باحتلال العراق. الله أكبر والعياذ بالله!

شتم أميركا والغرب عموما شيء تعودنا عليه وشاركت فيه. هذه مثل التعوذ من الشيطان عند المسلمين. كره الغرب ظاهرة جيوسياسية تمتد لقرون كثيرة وترتبط بالنزاع الجيوفيزيائي بين جانبي البحر المتوسط. الغربيون يكرهوننا وبعضنا يكرههم. ارتبطت الحلقة الأخيرة من هذا الكره لهم بتآمرهم على مستقبلنا خلال الحرب العظمى (حكاية سايكس بيكو) ثم إصدار وعد بلفور. تنفيذ هذا الوعد أضرم نار جهنم في قلوبنا ضدهم. وازدادت استعارا ضد أميركا بصورة خاصة لوقوفها الشديد بجانب إسرائيل. تعمق هذا الكره خلال الحرب الباردة بهيمنة الفكر اليساري على الساحة العربية. وكلما حاولت واشنطن ترضيتنا والتصدق علينا نسفت محاولتها وتجدد كرهنا لها حالما أثير أي موضوع يمس إسرائيل في مجلس الأمن. وهل اجتمع مجلس الأمن عاما من دون إثارة هذا الموضوع ومن دون استعمال أميركا حق الفيتو؟ ووقع زميلي المسكين أحمد المهنا في هذه النار المستعرة. كيف يا رجل تكتب كتابا ولا تشتم أميركا فيه؟

العربي الثاني الذي لم يشتم أميركا في هذه الأيام كان شحاذا في كورنيش القاهرة. مرّ به سائح أميركي فتصدق عليه بورقة مائة دولار. أمسك بها الشحاذ وقال: «خواجة، الله ينصرك على من يعاديك»!