إيران: البازار مفتاح التغيير!

TT

في دولة مثل إيران تلعب القوى الاقتصادية، تاريخيا، ممثلة في تجار البازار، دورا مؤثرا في عملية صنع القرار، فالقوى الاقتصادية (التجار) تقوم بدور أساسي وفاعل في الحياة الاقتصادية من خلال عمليات المضاربة والإقراض والاستثمار وغيرها، مما يمنحها قدرة التأثير في القرارين الاقتصادي والسياسي. كما يحظى التجار بمكانة مميزة داخل المجتمع الإيراني، فهم الأقوى اجتماعيا بعد المؤسسة الدينية (الملالي)، بسبب القوة الاقتصادية التي يملكونها، والعلاقة القوية التي تربطهم بالمؤسسة الدينية، ولذا تحولت العلاقة بينهم من دينية إلى سياسية براغماتية.

إلا أن تزايد النفوذ الاقتصادي للحرس الثوري الإيراني بسبب الدعم اللامحدود الذي يتلقاه من المرشد الأعلى للثورة سحب البساط من تحت التجار، وقلص من نفوذهم وتأثيرهم التاريخي. وقد تأثر البازار تأثرا كبيرا جراء ذلك. فقد استأثرت الشركات التي يملكها ويديرها الحرس الثوري بالقروض الميسرة من البنوك لتمويل مشاريعه، فهو يسيطر على حصة الأسد في الاقتصاد الإيراني الذي تديره الدولة، والبالغة 70 في المائة.

وقد أدى إطلاق يد «الحرس الثوري» بعقيدته العسكرية وآيديولوجيته الدينية، مع قلة خبرته الاقتصادية في إدارة مفاصل هذا الاقتصاد، لارتفاع معدلات التضخم إلى أرقام قياسية؛ إذ بلغت 25 في المائة في عام 2012، وفي بعض القطاعات وصل التضخم إلى أكثر من 40 في المائة. كما بلغ مستوى الفقر معدلات كبيرة جدا حيث يعيش أكثر من 10 ملايين مواطن إيراني تحت خط الفقر، وفقا لإحصائيات عام 2011. كما بلغ معدل البطالة قرابة 15 في المائة، في ظل مجتمع يشكل الشباب دون الـ 24 عاما نصف سكانه (37 مليونا من أصل 74 مليونا). وترافق ذلك مع ما يصرفه الحرس الثوري لنشر آيديولوجيته الدينية في مناطق مختلفة من العالم، ودعم حلفائه المنفذين لأجندته تلك، وأقرب مثال على ذلك ما أنفقته إيران (10 مليارات دولار في عام 2012) للحفاظ على نظام بشار الأسد في سوريا، إضافة إلى ما تنفقه على حزب الله في لبنان وغيرها في العالم.

ففي دولة تحتل المرتبة الثانية عالميا في احتياطي الغاز والمركز الثالث في احتياطي النفط إضافة إلى المقومات الجغرافية والديموغرافية التي تمتلكها لتؤهلها لتكون لاعبا رئيسيا في اقتصاديات المنطقة - بل والعالم - ليصبح اقتصادها وشعبها أكثر ازدهارا ورفاهية، في هذه الدولة - وللأسف - لم تحسن تلك الثروات والمقومات من الوضع الاقتصادي للدولة ولا للمواطن الإيراني، لأسباب أهمها سوء إدارة الاقتصاد جراء تهميش دور البازار في القرار الاقتصادي والركون إلى أدلجة وعسكرة الاقتصاد.

إلا أن قدرة النظام الآيديولوجية في إقناع الداخل آخذة في التراجع، فلم تعد الشعارات المؤدلجة تطمئن البازار الإيراني والشارع بشكل عام على مسيرة الاقتصاد بشكل خاص، والدولة بشكل عام.

وما شهدته المدن الإيرانية المختلفة، وخاصة في طهران ومشهد، وهما العاصمتان الاقتصاديتان، من مظاهرات للتجار في الأسبوع الماضي على خلفية هبوط سعر صرف الريال الإيراني وفقدانه قرابة 50 في المائة من قيمته الشرائية، دلالة واضحة على رغبة البازار الإيراني في استعادة دوره التاريخي في المشاركة في صنع القرار الاقتصادي الذي تم اختطافه من قبل المرشد والحرس الثوري. فقد كان أصوات التجار واضحة، عندما تعالت الأسبوع الماضي في مظاهرات البازار، وأخذت تردد شعارات تندد بانشغال النظام عن الشأن والهم الداخلي، حيث هتف المتظاهرون بـ«اتركوا سوريا وشأنها واهتموا بأحوالنا»، وشعار «لا سوريا ولا لبنان روحي فداء إيران».

فهل نرى دورا سياسيا اقتصاديا جديدا للبازار يقود فيه الشارع نحو التغيير وبتحالفاته القديمة مع طبقة الملالي، خاصة الإصلاحيين منهم، وجديدة مع طبقة الشباب ليكون البازار هو مفتاح التغيير في إيران؟