بشار ومشعل: ختامها فراق

TT

هذا السهم البشاري - الإيراني في وقت واحد الذي جرى إطلاقه على الرجل الأول في حركة «حماس» خالد مشعل يوم الثلاثاء 2 أكتوبر (تشرين الأول) 2012 ربما ما كان ليتم إطلاقه لو أن هذا الحليف الذي ارتد عن الملاذ السوري والملعب الإيراني طوال سنوات، اكتفى منذ أن دخلت الانتفاضة السورية شهرها الثالث بمواصلة الابتعاد الصامت خطوة خطوة عن حليفي الأمس ولم يقف يوم الأحد 30 سبتمبر (أيلول) 2012 خطيبا في مهرجان أردوغاني في أنقرة معنفا للنظام البشاري عازفا على الوتر الأردوغاني شأنه شأن الخطيب الثالث المعنف هو الآخر الرئيس المصري محمد مرسي. فالذي فعله الزعيم الحمساوي كان صادما وربما غير متوقع حدوثه من جانب الحليف السوري - الإيراني وشكلت وقفة خالد مشعل إلى جانب «الأخوين الإسلاميين اللدودين» للرئيس بشار: الرئيس محمد مرسي الذي حسم الأمر مع جنرالات حقبة الرئيس حسني مبارك ثم أكرم بلفتة مباغتة الرئيس السادات من باب المكايدة لعهد عبد الناصر فبات أقوى شأنا، ورجب طيب أردوغان المتوج حديثا من حزبه بزعامة «عثملية» الطموح والتطلعات وعلى خلفية عملية تأديب للجنرالات المتربصين له وذلك بإصدار أحكام بالسجن بالغة القساوة في حق عشرات حاولوا إحياء مجد القبضة العسكرية على العنق المدني العلماني وغير العلماني في تركيا. والقول إن الفعل المشعلي كان صادما لأن الحليف السوري - الإيراني فقد عمليا ورقته الفلسطينية، ذلك أنه كان بفضل هذه الورقة يقول ضمنا ما معناه إن نصف فلسطين تحت جناحيه وأن النصف الآخر أي السلطة الفلسطينية المحتكرة من جانب حركة «فتح» وأطياف مقاومة فلسطينية حائرة ورموز من الجمع الفلسطيني المستقل لا مصلحة لهؤلاء بتوسيع دائرة التحدي للنظامين السوري والإيراني.

ما فعله خالد مشعل طبيعي من حيث المسارعة إلى الانتساب إلى قبيلته الدينية أي «الإخوان المسلمين». وهو لولا الكتف المصرية التي تتكئ عليها «دولة غزة الحمساوية» لربما أرجأ الابن الإخواني تلك العودة إلى كنف ربعه مشكلا بهذه العودة هرما إخوانيا قويا مقابل الهرم البشاري - النجادي المتصدع.

وحيث إن مقتضيات الانتساب تتطلب تأشيرة كلام لا يحتمل التأويل فإنه في الكلمة التي ألقاها في مؤتمر المبايعة المشهودة لزعامة أردوغان قال، «رحبنا بثورة مصر وتونس وليبيا واليمن، ونرحب بثورة الشعب السوري نحو الحرية والديمقراطية والكرامة والاستقلال الحقيقي ونريد أن يتوقف سيل الدماء الزكية من هذا الشعب ونرى أنه لا تعارض بين أن نتبنى الديمقراطية والإصلاح وبين دعم المقاومة..»..

ومن تحصيل الحاصل أن يقول مشعل هذا الذي قاله ما دام ارتضى - بطلب أو ربما سعى إلى ذلك - أن يكون ثالث الخطباء بعد أردوغان الذي قال مخاطبا روسيا والصين، «إن التاريخ لن يعفو عن المساندين للنظام الظالم في سوريا» ومرسي الذي قال، «لن نهدأ ولن نستقر حتى تتحقق إرادة الشعب السوري في أن ينال حريته وأن تزول هذه القيادة. نحن مع الشعب السوري وبجانبه نؤيده ونؤازره ونقف ضد الظالم الذي يقتله وسوف ينال بإذن الله حريته قريبا. وما ذلك على الله ببعيد..»..

ومثلما كان من تحصيل الحاصل أن يفعل خالد مشعل ما فعله مع ملاحظة أن مفردات كلمته كانت دون نارية مفردات كلمة كل من رفيقيه في الإخوانية رجب طيب أردوغان ومحمد مرسي ربما من أجل الأمان لجماهير «حماس» في مخيماتهم داخل سوريا وربما من أجل الأمان الشخصي له كي لا يصيبه مكروه مثل ذلك الذي أصاب حلفاء للنظام الأسدي (الأب ثم الابن) أمثال الزعيم الدرزي كمال جنبلاط والزعيم السني رفيق الحريري جاهروا بالاقتناع بأن ديمومة العلاقة اللبنانية - السورية تكون بغير الإطباق على الإرادة والأخذ بأسلوب التفهم والحرص المتبادل المنزه من جانب النظام السوري عن الهيمنة.

لكن هذه المفردات المنتقاة بحساب دقيق من جانب مشعل الصادم، لم تمنع الحليف السوري - الإيراني المصدوم من أن يصب جام الغضب على خالد مشعل وتكليف مذيعة بإبلاغ الغضب تلفزيونيا إمعانا في الإهانة بمعنى أن الرد يأتي على لسان امرأة مذيعة وليس على لسان رجل مسؤول مع ملاحظة أن الذي قالته المذيعة جاءها مكتوبا من ذلك المسؤول. ويتأكد افتراضنا هذا عند التأمل في المفردات هذه وبالذات قول تلك المذيعة «تذكر يا مشعل تشردك وتسكعك في الأجواء حتى جاءتك رحمة الشام..». و«ما دمت يا مشعل قد أدمنت على القسمة وما فيها من مغانم السلطة والجباية فلن نسألك عن الشعب الفلسطيني المظلوم في الأراضي المحتلة عام 1948 ولا عن القدس التي تناسيتموها أنتم ثلاثي الهراء (أي: أردوغان. مرسي. مشعل) ولا عن الضفة، بل نسألك عن عذابات أهلنا المحاصرين في غزة..».. وأضافت صحيفة «كيهان» إلى مفردات المذيعة السورية المزيد من المفردات التي تنزع عن خالد مشعل ماضيه الثوري النضالي، وذلك من خلال قولها: «إن مشعل الذي نسي السنوات التي كان يعيش فيها تحت الحماية السورية خلال إقامته وعمله في دمشق يتصرف وكأنه عميل صهيوني، فهو مستعد للتضحية بشعب فلسطين مقابل طموحات شخصية..»..

هذه السهام السورية - الإيرانية على مشعل جاءت أيضا في وقت أوحى فيه الرجل إلى أنه لن يجدد ترؤسه لحركة «حماس» الأمر الذي ينفي عنه صفة التطلع نحو المصلحة الشخصية، كما أنها جاءت أيضا في وقت حل إشكالية غير محسومة عنده وربما تؤرق وجدانه أكثر من ثوريته، وهي أنه زعيم سني تحت عباءة زعامة علوية في سوريا وزعامة شيعية في إيران. وإنه عندما يحدث ا«تسونامي» الإخواني من تونس إلى مصر إلى ليبيا فضلا عن تململات إخوانية في الأردن والمغرب والجزائر والسودان الترابي، فبطبيعة الحال أن يستحضر «الإخواني الفلسطيني» العريق طيف المؤسس الراحل الشيخ أحمد ياسين ويقرر تبعا لذلك أن يرفرف في الفضاء الإخواني، خصوصا أنه في علاقته مع النظام في سوريا كان – كإخواني - في حالة تأنيب ضمير، حيث إن النظام منذ أيام الأسد الأب (الرئيس حافظ) هو الممعن وبمختلف الوسائل في قصقصة أجنحة وتشتيت بني ملته الحزبية إخوان سوريا، فضلا عن أنه في ظل الحماية السورية له كان يعيش حالة من حالات النفاق بمعنى أنه وسط نظام يحاول من خلال المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل إنهاء تعقيدات متصلة بالصراع العربي – الإسرائيلي. ويتأكد النفاق في ضوء المضافة القطرية المصموت على انفتاحها إزاء الحوار مع إسرائيل المحلل بموجب فتوى سورية - إيرانية من جانب أهل الحكم ما دام الصفاء كان زمنذاك قبل الانتفاضة السورية في أحلى حالاته بين إيران وسوريا وقطر و«حماس».

ومثل هذا الأمر يبدو في غاية الاستغراب ويؤكد أن استضافة النظام السوري لجماعة «حماس» هي بغرض استعمال هذه الحركة كورقة ضغط مزدوجة؛ ضد إسرائيل من جهة لتعديل مرغوب في شروطها للتسوية وضد «فتح» أيام عرفات ثم طوال أيام خليفته محمود عباس. وهنا يجوز التذكير أن الذي يلقاه الآن خالد مشعل من النظام السوري أصاب من قبل، وتبعا لمقتضيات ظروف ودوافع مختلفة، الزعيمين الفلسطينيين الراحلين الرئيس ياسر عرفات والدكتور جورج حبش.

وتبقى النقطة الأهم في هذه العلاقة بين الرئيس بشار ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل، وهي أن هذه الردة المشعلية تضع الحليف الأهم المتمثل «حزب الله» أمام استحقاق بالغ الحساسية. فالذي قاله مشعل لجهة الترحيب «ثورة الشعب السوري نحو الحرية والديمقراطية» وأنه «لا تعارض بين أن نتبنى الديمقراطية وبين دعم المقاومة» هو الموقف المأمول أن يقوله الأمين العام «حزب الله» السيد حسن نصر الله. وهو عندما لا يفصح عنه ثم يأتي الموقف اللافت من جانب خالد مشعل فهذا يعني أن السيد حسن سيشارك عن اضطرار وليس عن اختيار في توجيه سهم من جانبه إلى حركة «حماس». وبذلك سنعيش بعد الآن أياما من خلط الأوراق في المنطقة.