نعم.. يوجد غلاء!

TT

لا أعلم ما الضرر في الاعتراف بزيادة أسعار السلع والخدمات، والإقرار بوجود حالة تضخم اقتصادية عالمية مست أسعار كافة السلع والخدمات بلا أي استثناء. فها هو الذهب والماس من جهة، والحديد والنحاس من جهة أخرى، مع عدم إغفال الارتفاع المتواصل للحبوب من قمح وشعير، وطبعا هناك الارتفاع المتواصل لأسعار الغاز والنفط.

ارتفاع الأسعار له أسبابه المختلفة، منها ما هو اقتصادي بحت وموصول بمسألة العرض والطلب، ومنها ما هو مناخي وطبيعي وله علاقة بتقلبات الأجواء والطقس ويتسبب في انقطاع المحاصيل وندرة السلع أو تأخر حاد في وصولها، وهناك أيضا أسباب لها علاقة بارتفاع تكلفة المنتج نفسه بسبب زيادة مصاريف الأيدي العاملة والمصاريف المباشرة على السلعة من نقل ومواد مساعدة ومضافة.

ارتفاع الأسعار مسألة طبيعية ومفهومة في علوم الاقتصاد ولا يجب التعامل معها بشكل «مدهش» أو «مفاجئ»، ولا يجب أيضا الهبوط في مستوى الخطاب النقدي إلى «تخوين» التجار واتهامهم في وطنيتهم وشرفهم وجعلهم كبش فداء بسبب عوامل اقتصادية عالمية وعامة على الكل، حتى وإن وجدت حالات من الجشع والاستغلال فهي حتما الاستثناء وليست القاعدة العامة التي تؤخذ في عين الاعتبار.

الخطورة الحقيقية هي في الخطابات والتصريحات التي تنكر وجود حالة التضخم أصلا وتبدأ بفلسفة المسألة بشكل غير حقيقي، وتشرح حالة ما يحدث بأنها «تضخم مستورد»، وغير ذلك من المبررات غير الصحيحة.

الأجدر والأهم هو شرح المسألة بشفافية.. إن العالم بأسره يعاني ارتفاع أسعار ملحوظا ومستمرا، في سلع مواد البناء وفي المواد الغذائية وفي المعادن وفي مصادر الطاقة، فلا يمكن أن «نقبل» و«نبرر» للعالم ارتفاع سلع النفط والغاز، ونشرح لهم أن ذلك مسألة طبيعية لها علاقة بالعرض والطلب بشكل أساسي ومباشر، ثم نستغرب ونندهش من ارتفاع أسعار الحديد والطماطم والدجاج، وكأن المسألة حادثة خارقة لنواميس الكون وسنن الحياة.

في ظل غياب واضح لشفافية البيانات والإحصائيات، المكلفة بها وزارات الاقتصاد العربية وعدم قيامها بالدور المنوط بها، وهو توضيح الهياكل السعرية للسلع الأساسية للبلاد وتقديم مؤشر «حقيقي» و«صادق» و«أمين» للتضخم، تكون فيه مصلحة الوطن والمواطن هي الحكم الأساسي فيه - سيكون دوما هناك مجال للقيل والقال، وكثرة الإشاعات والاتهامات، وتوجيه اللوم إلى من لا يستحق.

موضوع الغلاء لن يكون مسألة عارضة، وبالتالي الحلول المؤقتة معه لن تكون مجدية ولن تؤتي أي نتيجة حقيقية يستفيد منها الناس.

هناك تعديل جذري مطلوب في التواصل المعلوماتي المنفتح مع الناس، بتقديم الأرقام الصادقة عن الحال الآني والتوقعات الصادقة للمستقبل، وقتها من الممكن القول إن هناك احتراما لعقلية الناس وإن هناك تعاملا واقعيا مع الاقتصاد وتقلباته.

الغلاء طال وسيطال كافة السلع بلا استثناء، المهم هو المصارحة والمكاشفة وفتح الباب للبدائل والخيارات لكسر الاحتكار، هذه هي الحلول لفك طلاسم الحيرة والقلق والشك الشعبي إزاء مسألة بسيطة مثل الغلاء. لم يعد من الممكن قبول تصاريح «تنفي» التضخم، أو «تزينه» بأنه تضخم مستورد «فقط»، هذا تضليل، والناس تستحق مصارحة أفضل.

[email protected]