أنقرة ودمشق بعد قرار البرلمان التركي

TT

منح البرلمان التركي حكومة رجب طيب أردوغان حق اللجوء لاستخدام القوة والدخول إلى الأراضي السورية عند اللزوم. «المادة 92 من الدستور التركي تعطي الحكومة هذا الحق»، وهي استخدمته أكثر من مرة وتحركت على أساسه في شمال العراق.

كثير من المحللين والمتابعين المقربين إلى النظام السوري أو المحسوبين عليه يصرون على أن «الخدعة» التركية هذه لن تمر، وأن حكومة أردوغان تحاول فقط الاستفادة من الوقت والظروف، ربما انتظار نتائج الانتخابات الأميركية وما ستقوله واشنطن. آخرون يصرون على أن أنقرة لن تقدم على خطوة انتحارية بهذا الاتجاه، لأن استطلاعات الرأي التركية وأصوات في المعارضة ترفض ذلك ويراهنون على أن يسبق أية مفاجأة تركية هجوم استباقي سوري لا بد منه أو ربما تحرك إيراني روسي في أسوا الأحوال لتلقين أنقرة الدرس المناسب طالما أن النظام في دمشق منشغل بتدمير المدن وقتل المدنيين.

طرفة الأسبوع، هي التي رواها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو حول وجود أصابع لطرف ثالث يهمه تخريب العلاقات التركية السورية.

دمشق أبدت أسفها لكننا لم نتأكد من اعتذارها الرسمي حتى الساعة على استهداف الداخل التركي وقتل المدنيين، لأنها تريد إنجاز تحقيقاتها وتدين مجلس الأمن الدولي الذي أدان تصرفها وحملها المسؤولية دون انتظار نتائج إجراءاتها القانونية والفنية.

حتى ولو اعتذرت دمشق لاحقا، فمن يضمن للأتراك أنها لن تكرر ما فعلته؟.. وهي فعلته حقا.

هي مذكرة حرب ولو كانت تركيا تفكر بطريقة أخرى لما كانت منذ البداية تورطت في مأزق تعرف سلوك وتصرفات الطرف الآخر فيه جيدا.

سيكون للنظام السوري ما يريد في نهاية الأمر، استدراج تركيا للمواجهة العسكرية وسيكون له بعض ما يريد تقديم احتمال المواجهة الإقليمية بين الدول والتكتلات والتحالفات، التي برزت إلى العلن وهي ستجر الكوارث والويلات والدمار إذا ما تمسك البعض بحسابات لعب ورقة الأسد في وجه الآخرين.

«خدعة» تركية جديدة لن تنطلي على دمشق أيضا.

اقترح وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو ما سبق وطرح أكثر من مرة في أكثر من محفل، ونوقش حول كثير من طاولات الحوار أن يتسلم نائب الرئيس السوري فاروق الشرع مهام رئاسة الجمهورية من الأسد تمهيدا للانتقال بسوريا من مرحلة إلى أخرى، هل ناقش داود أوغلو هذا الاقتراح مع المعنيين مباشرة وغير مباشرة؟

هل هو اقتراح تركي حقا أم أن أحدهم همس به في أذن الأتراك؟

هل هو اقتراح سيعطي الأتراك الفرصة للتصعيد عسكريا ضد النظام الذي يرفض الإصغاء لأحد ويرفض الفرصة الأخيرة التي أطلقها الأتراك عبر لعب ورقة الشرع التي يعرفون أكثر من غيرهم أنها ورقة محروقة، لأن النظام السوري سيرفضها قبل أن تقول المعارضة السورية رأيها حتى حول هذا الاقتراح.

نائب الرئيس الإيراني ناقش مع الأتراك السيناريو اليمني في سوريا ليكون خشبة الخلاص لهم، ويبدو أن الرئيس الروسي القادم إلى أنقرة الأسبوع المقبل سيناقش هو الآخر تفاصيل هذا المشروع مع الأتراك. لا نعرف تحديدا مواقف الدول العربية المشاركة في اللجنة الرباعية حيال المبادرة التركية، لكن الشعب السوري الذي انتفض قبل عامين لا بد أن يكون هو من سيقرر في النهاية.

مشروع أنقرة في نقل السلطة من خلال أقرب المقربين إلى الرئيس السوري يعني آلاف الضحايا والمتضررين في مساكنهم وممتلكاتهم وأموالهم.

لا يمكن أن يخفض الأتراك حجم التصعيد الأخير لتكون ترجمته عبر مشروع سياسي لنقل السلطة في سلطة وهي تعرف أن النظام السوري سيرفضه.

هل للاقتراح التركي الأخير علاقة بأن يكون خطوة أخرى لمحاصرة النظام السوري على طريقته قبل الدخول معه في مواجهة الحسم؟

دمشق وكما رددت أكثر من مرة لن تقبل بأي خطة تسوية تفرض عليها، هل ستقبل بفكرة نقل السلطة إلى فاروق الشرع بمثل هذه البساطة.

البعض يراهن على معارضة تركية سياسية وشعبية تنتشر وتتزايد في المدن التركية لتحاصر قرارات حكومة أردوغان أو تطيح بها ربما لو كانت دمشق سمحت هي بفرصة من هذا النوع لشعبها، لكانت اليوم وفرت على الشعب السوري دفع هذا الثمن الباهظ. تركيا دعت حلف شمال الأطلسي للاجتماع بناء على المادة الرابعة من اتفاقية الحلف لإطلاعه على تفاصيل ما جرى وقد يجري، لكن ذلك لا يمنعنا من القول إنها لن تتردد في طلب اجتماع الأطلسي في إطار المادة الخامسة من اتفاقية هذا الحلف التي تعني التحرك العسكري المشترك.

يحاول بعض المفكرين السوريين المقربين إلى النظام في دمشق رفع الغبار عن ملف «لواء إسكندرون»، ليكون خشبة الخلاص الجديدة للنظام في حشد وتعبئة الشارع السوري. هكذا تم التعامل مع الشعوب العربية من قبل بعض قياداتها لسنوات.. لا تبتعدوا كثيرا نحن سنستدعيكم في القريب العاجل لأننا نحتاج إلى جهودكم على طريق التصدي للمؤامرات.

دمشق سترد على قرار البرلمان التركي أيضا، وربما ستختار هذه المرة إخراج صواريخها من العنابر والمستودعات التي كدستها، حتى ولو اختلطت الجبهات عليها فرجحت توجيهها إلى الشمال بدل التنبه لوجود جبهة أخرى تنتظر دورها منذ عقود.