جنود أحرار وعقول مقيدة

TT

عندما أسمع تعليقات كبار قادة المنشقين السوريين، خاصة العسكر، أشعر بأنني أمام تلاميذ يرددون نفس خطاب النظام الذي انشقوا عليه. أحد العمداء يشجب التخاذل الدولي في حق الثورة السورية، قائلا إنهم يتركون سوريا تغرق من أجل تعميم الفوضى بغرض السيطرة على منابع النفط!

عادة هذه مقولة النظام السوري الذي يريد تبرير جرائمه، ويقول إنهم في الغرب وراء الحرب الإرهابية لإغراق سوريا في الفوضى للسيطرة على مناطق النفط!

المحفوظات الكلامية تردد عادة من دون تفكير، ويتم إلصاقها بكل موقف وفريق. هل الثوار هم لعبة غربية، أم نظام الأسد، أم الفريقان؟! في العراق البعثي كانوا يرددون الخطاب نفسه. إعلام صدام حسين كان يتهم المعارضة بأنها أداة غربية، وكانت المعارضة تتهمه بتنفيذ مخططات الغرب!

الحقيقة لا الغرب ولا النفط له علاقة بما يحدث سلبا في سوريا إلا بما يمكن لكل فريق خارجي، عربيا كان أو إيرانيا أو غربيا، أن يساند الفريق الذي يلتقي معه سياسيا. بل العكس، ربما الخوف على النفط هو ما يدفع دولا في العالم للحفاظ على استقرار سوريا لاحقا، خشية أن تمتد النار إلى ما وراء الحدود. أما الحرب اليوم فهي معركة متأخرة ضد نظام قمعي ثار الشعب السوري ضده، وليست حربا بالوكالة.

النفط سلعة استراتيجية كل دول العالم تريد حمايتها كي لا تقع في أيدي عدو أو تصبح رهينة الفوضى. وليس سرا أن النفط وراء الكثير من الحروب في المنطقة، فالصراع على مصادره أمر متوقع، إنما يفترض أن نفهم علاقة النفط بصراعات المنطقة ونضعها في إطارها الصحيح. بالنسبة للغرب فإنه لن يقبل بأن تقع منابع البترول ومخارجه في أيدي عدو، كإيران مثلا. لهذا ستحارب القوى الغربية إيران، وستهدم مشروعها في التفوق العسكري والنووي لأنه قد يؤدي لاحقا إلى سيطرة الإيرانيين على حقول البترول في الخليج التي تمد العالم بطاقته وحياته. ستحاربها بكامل قواتها، مهما كان الثمن، ليس حبا في الخليج أو شعوبه، بل لأنه من دون بترول حر الإنتاج ستحدث فوضى في العالم. إنما ليس التحكم في أسعار البترول وراء الصراع، لأن السوق هي التي تقررها ارتفاعا وانخفاضا، وبرميل النفط من ولاية تكساس الأميركية يباع في السوق بسعر مقارب لبرميل من حقل السفانية في السعودية.

دول النفط تحتاج لتحالفات وشركات عالمية، معظمها غربية، من أجل الوصول واستخراج البترول. إيران كانت تنتج في عهد الشاه كميات أكبر، وكانت تملك صناعة تكرير كبيرة. ومنذ أن تبنى الخميني سياسة العداء، وتبنى خلفها خيار تطوير القوة العسكرية بدلا من التنمية الاقتصادية، صارت إيران تنتج وتصدر للعالم بترولا أقل، وتستورد مشتقات البترول من الخارج لأنها عاجزة عن تكرير كل ما تحتاجه. ولم تفلح إيران من خلال الشركات الصينية والروسية في تطوير قدراتها بتروليا، ولا تزال غير قادرة على الوصول إلى إنتاج حصتها الممنوحة لها من أوبك. وصارت الكارثة أكبر بعد أن منع الغرب إيران من استخدام الدولار واليورو كعملة في مبيعاتها ومشترياتها.

النظام السياسي العاقل يدرك أن مصالح بلاده ليست في الركض وراء الشعارات. مصلحتك أن تبيع البرميل بمائة دولار وهو لا يكلفك ثلاثة دولارات، وتستعين بتقنية غربية متقدمة، وتتاجر بعملات يشتري ويبيع بها معظم العالم. ثلاثون عاما من الثرثرة والخطب السياسية من قبل إيران وحلفائها، وعندما ننظر إلى النتائج نكتشف الحقيقة الأكيدة.

استقرار المنطقة في صالح دول العالم، غربه وشرقه، لأنها مصدر الطاقة، أما انتشار الفوضى فيدفع ثمنه الكل. ورغم هذه الحقيقة البسيطة فقد استمر الشرق الأوسط منطقة مضطربة نتيجة فشل الأنظمة السياسية في تطوير نفسها، والنتيجة كما نراها في سوريا.

تخيلوا كيف تدار سوريا؟ مثلا تنتج التبغ، لكن كل شركاته محتكرة من شخص واحد هو رامي مخلوف. في نظام قمعي كهذا يصعب التفكير بطريقة سليمة، ورئيس الدولة يفكر ويتصرف مثل زعيم مافيا، كل إبداعه للحصول على مصادر دخل إضافية تربية الجماعات الإرهابية والاسترزاق من ورائها، وتقديم خدمات سياسية أمنية لإيران أيضا، واغتيال من يقف في طريقه. احتل النظام السوري لبنان لثلاثة عقود، ولم يكن ذلك كما كان يزعم لمواجهة إسرائيل، بل كان معظمه للتكسب المادي من لبنان نفسه ومن دول المنطقة، وتعزيز نفوذ سوريا.. وللسبب نفسه هيمن على نصف المنظمات الفلسطينية، والمعارضة العراقية المسلحة، واستخدم الجماعات الكردية التركية المسلحة.

وبالتالي ليس غريبا أن يقوم هذا النظام بالترويج لتفسيراته التآمرية ثم ينشق كبار ضباطه وصغار جنوده وعندما يعبرون الحدود نسمعهم يرددون المقولات نفسها التي كانوا يقرأونها في صحف مثل «تشرين» ويسمعونها مع أغاني الصباح.

[email protected]