إبادة الشعب السوري والمأزق الدولي؟

TT

الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحادية والستين 2006 – 2007، ناقشت موضوع إصلاح مجلس الأمن، وانتهت إلى اتخاذ قرار بالطلب من الدول الأعضاء البدء بالمناقشات بين الدول الأعضاء لإصلاح مجلس الأمن، بناء على التقارير المعدة في تلك الدورة التي تركزت على خمسة محاور، أهمها محور توسيع مجلس الأمن ليضم عددا آخر من الدول الأعضاء الدائمين - التي تقتصر الآن على خمس - ليضم دولا تمثل ثقلا جديدا في الفضاء الدولي السياسي والاقتصادي والجغرافي، حيث القارة الأفريقية غير ممثلة في الأعضاء الدائمين وكذلك اليابان والهند وألمانيا والبرازيل، بما لتلك الدول من ثقل سياسي واقتصادي في العالم اليوم. والمحور الثاني حق الفيتو وتطوير آلية حق استخدامه، حيث تضمنت الاقتراحات المعدة من الجمعية العامة وضع قيود على استخدام حق الفيتو، ويمنع استخدامه إذا كان القرار يتعلق بالإبادة الجماعية أو بمساس حقوق الإنسان أو بالأمن والسلم الدوليين.

ويؤكد لنا تاريخ مجلس الأمن أن هذا الحق، (حق النقض)، الفيتو، الذي تم إقراره عند قيام الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بعيد الحرب العالمية الثانية، والذي منح فقط للدول الخمس الدائمة، قد استخدم أحيانا بتعسف، وضاعت حقوق كثيرة بسبب إغلاق بعض الدول التي لها هذا الحق على وصول السلام إلى كثير من مناطق النزاع. لقد استخدم الفيتو إبان الحرب الباردة بين المعسكرين، الاشتراكي وقتها والرأسمالي، لا من أجل تحقيق السلام، بل من أجل إشعال الحروب الصغيرة والمتوسطة على حساب شعوب العالم.

بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001، تبين للدول الكبيرة أن نتائج انسداد متعسف لقنوات الحقوق لبعض الشعوب، خاصة الحريات العامة، أنتج ما عرف لاحقا بـ(الإرهاب)، وظهر نوعان من الصراع على فضاء النقاش الدولي: الصراع بين (الحرية والاستبداد)، والصراع بين (حقوق الإنسان والإرهاب)، ودبجت في أروقة الأمم المتحدة، وفي الإدارات القانونية والسياسية للكثير من وزارات الخارجية للدول المعنية المذكرات والشروحات التي تؤكد أن التهديد للسلم العالمي لا يأتي - كما اعتُقد من قبل عند قيام الأمم المتحدة - من خلال صراع جيوش لدول متحاربة فقط، بل زادت عليه في إطار التطور التاريخي، هاتان المعادلتان، هل (الاستبداد) و(ازدراء حقوق الإنسان) تحت مسميات كثيرة، تقوم به حكومات ضد شعوبها، وخاصة الاستبداد الواسع من قتل وتشريد وتنظيم مذابح للعزل الأمنيين غير المحاربين، يستدعي التدخل الدولي، أم يقف المجتمع الدولي عاجزا يشاهد ولا يتحرك؟ وما إذا كان يحق هنا منع ذلك التدخل لأن دولة لها حق «الفيتو»، ترى مصلحتها الاقتصادية أو السياسية في إطلاق يد الاستبداد وتشجيع الطغاة على إكمال فعلهم في إبادة البشر، مما ينتج عنه لاحقا انهيار في القيم، يقود إلى الإرهاب؟ ثم من جهة أخرى، هل إذا قام الإرهاب باعتداء على دول آمنة منطلقا من أراضي دولة، أيحق أن يستخدم «الفيتو» من إحدى الدول لمنع تلك الدولة من الرد على الإرهاب؟

مثل تلك الأسئلة لم تعد نظرية فقط، بل أصبحت عملية يواجهها العالم، ووجدنا أن هناك حالتين دوليتين؛ واحدة تقلص استخدام «الفيتو» ضد رد فعل الدولة المستهدفة، تلك الحالة هي الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر 2001، لما قررت أن تقوم بشن حرب في أفغانستان، عش الدبابير لـ«القاعدة»، التي شنت الاعتداءات، وقتها لم تستطع دولة من الدول الخمس صاحبة حق «الفيتو»، أن تقف أمام تصميم الضحية في متابعة وقتل (الإرهابيين وتدمير الدول التي تؤويهم)، وقد ظهر جراء ذلك مصطلح دولي، تطور لاحقا، اسمه «تحالف الراغبين». أما الحالة الثانية، فقد كانت ضبابية أكثر، وحدثت قبل 11 سبتمبر، وهي الحالة اليوغسلافية في البوسنة والهرسك بين عامي 1992 - 1995. وقتها، شهد العام تطهيرا عرقيا بالغ القسوة، وصفت تلك الأحداث بأنها جرائم إبادة عرقية، قام بها الصرب والكروات ضد من وصفتهم الوثائق بـ(غير الصرب) (المسلمون)، عندها تحرك ضمير العالم، إلا أن التحرك لم يكن تحت عباءة مجلس الأمن، بسبب «الفيتو» الذي كان يحق لروسيا أن تستخدمه. ظروف تلك الإبادة التي كانت هائلة ومروعة، حملت الدول الأوروبية، تحت ضغط الرأي العام، ومن ثم الولايات المتحدة، أن تتدخل عسكريا خارج نطاق الأمم المتحدة. تحالف الراغبين ظهر من جديد في عام 2003 في حملة تحرير العراق من باطش هولاكي آخر هو نظام صدام حسين. في النهاية، هناك أمثلة لتحالف الراغبين للتحرك ضد جرائم الإبادة، وأصبح مستقرا أن الأخلاقي، والإنساني - في بعض الأوقات الحرجة - يجبُّ حتى القانون المكتوب.

في الآونة الأخيرة، استخدم «الفيتو» من جانب روسيا والصين ثلاث مرات لقفل الباب على أي تدخل دولي لإنقاذ الشعب السوري والمدن السورية من الإبادة والهدم. لقد قادت أحداث البوسنة وأحداث حروب الولايات المتحدة وما تلاها في النصف الأول من القرن الواحد والعشرين، عددا من الدول للتحرك من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، عام 2006 – 2007، من أجل البحث الجاد في تقييد استخدام «الفيتو» من قبل الدول الخمس، كي يجد المجتمع الدولي وسائل غير مقيدة في محاربة موضوعين دوليين (الإرهاب) و(الإبادة الجماعية)، وحين تتوافق غالبية الدول على توصيف أي منهما على أن ذاك (إرهاب أو إبادة)، فإن الحراك الدولي وقتها يجب ألا يخضع للمساومات السياسية، التي عادة ما تكون بعيدة عن الموضوع الأصلي، لتحقيق مصالح آنية ظاهرة أو خفية لتلك الدولة أو هذه صاحبة حق «الفيتو».

موقف روسيا، وبعده الصين، من أحداث سوريا ليست له علاقة كاملة بما يحدث هناك، في جزء منه مناكفة لما تعتبره روسيا خداع الغرب في الإطاحة بحليفها الأكثر قربا (اقتصاديا) وهو معمر القذافي، كما يضاف إلى ذلك رغبتها في إبقاء مصالح لها في الشرق الأوسط قد تختل عند تغير علاقات القوى. أما الصين، فإن مناكفة الولايات المتحدة من جهة، وتحقيق مصالح اقتصادية من جهة أخرى، هما الدافع للموقف الفيتوي تجاه الموضوع السوري، والضحية شعب يدمر، وإبادة غير مسبوقة إلا في الهولوكوست.

من هنا، تبرز أهمية إعادة دراسة وثائق الجمعية العامة التي نادت بالإصلاح، وتطوير العمل الدولي لمواجهة مستجدات لم يفكر فيها من قبل، ولم يتابعها أحد بما يجب أن يتابع، وهي محاولة الوصول إلى توافق على نصوص جديدة في حالتي (الإرهاب) و(الإبادة الجماعية)، اللتين يتوجب في حالتيهما وقف العمل بالمعوقات الموضوعة أمام المجتمع الدولي، والقيام بجهود لوقف آثار ذلك الوباء العالمي الجديد وهو الإبادة الجماعية، تحت مسميات هلامية، يحتاج الأمر - من جديد في الحالة السورية - إلى تحالف راغبين يوقف الإبادة.

إما إصلاح مجلس الأمن الذي تتهاوى سمعته أمام نظر المواطن المعولم اليوم، أو يصبح المجلس نفسه ناديا للكبار في تقاسم المغانم أو منع الآخرين من الحصول عليها، حيث لم تعد فكرة (الحفاظ على الأمن العالمي) وتجنيب البشرية الإبادة هي الهاجس الأهم في ذلك النادي المغلق.

آخر الكلام:

القلق يتصاعد من توجس مبرر من أن تتوجه الإدارة الجديدة في مصر إلى (الثأر) من توجهها إلى البناء، فتقدم عددا من العاملين في الإعلام إلى المحاكمة بتهم «الكسب غير المشروع» على الأقل ليس أولوية، إنه يفسر بهز العصي أمام العاملين في الشأن الإعلامي، وهو منحى خطير.