ماذا وراء زيارة المالكي إلى روسيا؟

TT

فوجئ الإعلام العربي والعراقي قبل أيام بوصول رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى روسيا في زيارة تستغرق نحو أسبوع. وتأتي هذه الزيارة بعد أيام قليلة فقط من زيارة وزير الدفاع الإيراني أحمد وحيدي للعراق صرح خلالها بأن العراق يحتل مكانة مميزة في السياسة الخارجية والدفاعية لبلاده إيران.

ولقد تم تقييم هذه الزيارة على أنها رغبة من الحكومة العراقية في ضم العراق إلى المحور المكون من روسيا وإيران وسوريا. بينما قام ائتلاف دولة القانون الذي يترأسه المالكي بإصدار تصريحات تفند هذه المزاعم. إلا أن الأمر في الحقيقة يستدعي إلقاء نظرة فاحصة على الأسباب التي تقف وراء هذه الزيارة:

السبب الأول: الرغبة في إيجاد بديل للولايات المتحدة؛ فإن تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي أدلت بها على هامش اجتماعات الهيئة العامة للأمم المتحدة والتي تشير إلى قيام إيران بنقل الأسلحة والمساعدات إلى النظام السوري عن طريق طائراتها التي تطير إلى سوريا عبر العراق سببت القلق للحكومة العراقية التي رأت في هذه التصريحات دعما للأطراف التي تريد تغيير النظام في العراق. إذ أن الحكومة العراقية لطالما تبخترت - إن جاز التعبير - بأنها نجحت في تطبيق سياسة تقوم على المعادلة بين الولايات المتحدة وإيران وأنها قد تمكنت بدهائها السياسي من كسب دعم الطرفين والتوفيق بينهما رغم حدة التعارض في توجهاتهما ونظرتهما تجاه المنطقة. ويمكن القول: إن الحكومة العراقية قد صدمت بتصريحات هيلاري كلينتون هذه، وإنها رأت فيها استعدادا من الولايات المتحدة، التي سخط عليها إقليميا لأنها «تحمي» حكومة العراق الحالية في وجه من يتهمها بالتبعية لإيران، للتخلي عنها وتركها تواجه أعداءها لوحدها.

والحقيقة أن الولايات المتحدة التي تعرضت إلى «نكسة» في العراق واضطرت إلى مشاطرة إدارة العراق مع إيران كانت ترفض ادعاءات التبعية لإيران إزاء حكومة المالكي. والسبب في ذلك هو عدم رغبتها في الاعتراف بما يسمى بالنفوذ الإيراني على العراق بينما هي من قامت بالتأسيس لهذا النفوذ عمليا. ويرجع الأمر أيضا إلى عدم رغبة الولايات المتحدة في الإقرار بفشلها في العراق والذي يتجلى في الخسائر المادية التي تعرضت لها في هذا البلد والضرر الكبير الذي أصاب صورة الولايات المتحدة في المنطقة والعالم ككل. ويرجح أن الجهة التي عملت على ضمان غرق الولايات المتحدة في العراق لم تكن إيران لوحدها بل كانت هناك قوى دولية وأخرى تنتمي إلى المنطقة تقف وراء ذلك. وبالتالي فإن إقرار الولايات المتحدة بفشلها في العراق كان سيعني الإقرار لأعدائها بالنصر الذي حققوه عليها بعد الحرب على العراق في 2003.

السبب الثاني: تحقيق خطوة استباقية ضد المعارضة في الداخل؛ فإن المالكي اليوم محاط في الداخل بمعارضة تتكون بشكل عام من العرب السنة والأكراد ويمكن القول: إن هذه المعارضة لا يستهان بها بتاتا خاصة أنها تحظى بتأييد من دول الجوار وبعض القوى الإقليمية والدولية التي تلعب دورا فاعلا في المنطقة. وكما نعلم فإن حكومة المالكي التي تعرضت للكثير من ضغوط المعارضة إبان الفترة التي سبقت سفر رئيس جمهورية العراق جلال طالباني إلى ألمانيا للعلاج كمحاولة استجواب المالكي أو التصويت في البرلمان على عزله متخوفة مما يمكن أن تقدم عليه المعارضة التي تلوح مع رجوع طالباني إلى العراق بأنها ستستأنف جهودها في تصحيح مسار العملية السياسية في العراق. بالإضافة إلى هذا فإن قرب تاريخ إجراء انتخابات مجالس المحافظات التي ستعقد في بداية السنة المقبلة 2013 وبقاء سنة واحدة فقط على انتهاء الدورة الرئاسية للمالكي تثير مخاوف الأخير الذي لم يصرح إلى الآن بأنه لا يرغب في دورة رئاسية ثالثة معللا بأن هذا الأمر سيحسم من قبل الشعب العراقي وليس من قبل خصومه السياسيين.

السبب الثالث: كسب قوة ضد بعض دول الجوار والقوى الإقليمية المناوئة. فقد تحدثنا أعلاه عن وجود معارضة داخل العراق تحظى بتأييد بعض دول الجوار والدول الفاعلة على الساحة الإقليمية. وهنا يمكننا القول: إن حكومة المالكي التي تراقب ما يحدث في سوريا بقلق تسعى من خلال الزيارة إلى روسيا إلى تحقيق الاحتماء تحت المظلة الروسية ضد القوى والدول التي تعتقد أنها لن تتردد في دعم أي تحرك للمعارضة ضد حكومة المالكي. إذ تعلم حكومة المالكي بأنها محسوبة من قبل هذه القوى على إيران وأنه يتم تقييمها على أنها امتداد للنفوذ الإيراني في المنطقة وحلقة وصل بين إيران ومناطق نفوذها في سوريا ولبنان وجزء من اليمن.

فالدور الذي تلعبه روسيا اليوم في سوريا واضح للعيان. إذ لولا روسيا وغيرها من القوى الإقليمية والدولية كالصين وإيران لما صمد نظام الأسد بوجه المعارضة السورية الواسعة النطاق حتى الآن. إلا أن المعلومات ومجريات الأحداث في سوريا والمنطقة تشير إلى أن نهاية الأسد قد شارفت وهو ما يثير قلق كل من بغداد وطهران. فحكومة المالكي تتخوف من دعم أي تحرك محتمل للمعارضة ضدها ويلتقي هذا بخوف النظام الإيراني الذي يعمل على حماية أمنه وضمان استمراره من خلال حلقات دفاعية خارجية تبعد الخطر عن أراضيه. فإذا فشل هذا النظام في مقاتلة أعدائه في سوريا وسقط حصن الأسد فمن المرجح أن يقوم بنقل المعركة إلى العراق. وذلك في محاولة لتحقيق النصر على أعدائه علما بأنه حقق هذا من قبل حينما تمكن من إلحاق الخسائر الفادحة بمناوئيه على ساحة القتال في العراق وضم هذا البلد إلى ساحة النفوذ الإيراني.

* باحثة في منظمة البحوث الاستراتيجية الدولية (USAK)

في أنقرة - تركيا