البرنامج النووي.. السعودي!

TT

بهدوء شديد جدا تقدم السعودية على أحد أهم المشاريع التنموية في تاريخها، وأعني هنا مدينة الملك عبد الله للطاقة النووية والمجددة. السعودية تدرك أن أمامها تحديا كبيرا، وهو توفير الطاقة الكهربائية لتلبية الطلب المتزايد، حيث تشير بعض التقديرات إلى أنها ستقفز من 45 غيغاوات إلى 120 غيغاوات في سنة 2035، ويكون الهدف الرئيسي هو تقليل الاعتماد على الغاز والنفط كمصدر لهذه الطاقة.

وقد قامت السعودية بتوقيع مجموعة مهمة من الاتفاقيات للتعاون مع دول مثل أميركا، وفرنسا، وروسيا، وكوريا الجنوبية، والصين، والأرجنتين. وتسعى السعودية للتحرك بفعالية حتى تحقق هدفها بافتتاح أول مفاعل نووي للطاقة السلمية في عام 2020، وكان هناك تصريح سابق لأحد المسؤولين في مدينة الملك عبد الله للطاقة النووية والمجددة، بأن السعودية تعتزم بناء 16 مفاعلا للطاقة حتى عام 2030. كل هذا الحراك باتجاه الطاقة البديلة يجيء مع الارتفاع الهائل لاستهلاك النفط محليا في السعودية، وهي المسألة التي لفت النظر إليها خالد الفالح الرئيس التنفيذي لشركة «أرامكو» السعودية حين قال: «إذا استمر استهلاك السعودية للنفط محليا من دون تقنين، فسيقتطع ما يقدر بثلاثة ملايين برميل يوميا مما هو مخصص للتصدير في عام 2028».

السعودية ستنشئ مفاعلاتها على سواحلها لوجود البحار نظرا لحاجة المفاعلات إلى تبريد، وهي تجربة شبيهة نوعا ما بمحطات تحلية المياه العملاقة على السواحل أيضا هي الأخرى، مع عدم إغفال نية السعودية إنشاء مفاعلات أصغر ومتحركة في مناطق داخلية. وتشير المصادر المطلعة إلى أن السعودية ستحسم قراراتها بشأن الشركات المنفذة لهذه المشاريع المهمة بناء على العطاءات واقتصاداتها وجدواها وليس بناء على حسابات سياسية.

السعودية بثقلها السياسي والاقتصادي ستضع برنامجها الطموح هذا كمسألة أمر واقع بعيدا عن اتفاقيات منظمة الطاقة العالمية حتى لا تكون عرضة لأي نوع من الاستغلال ولا الابتزاز السياسي. وللأمير تركي الفيصل تصريح لافت جدا في هذه المسألة حين قال: «إن السعودية ستحتفظ بحقها في إثراء إنتاج اليورانيوم على المدى الطويل»، والدولة خصصت ميزانية هائلة تفوق الـ250 مليار ريال لأجل هذا البرنامج الطموح والذي ستصب نتائجه لصالح قطاعات هائلة، منها الصناعة والتحلية والنقل والإسكان والصحة والموانئ، على سبيل المثال لا الحصر.

وقد كلفت السعودية لتنفيذ هذا المشروع الطموح جدا أحد أعقل وأحكم وأهدأ رجالات الدولة فيها، وهو المهندس هاشم يماني، وهو رجل عاقل ودقيق ودؤوب جدا في عمله لا يلتف لصناعة الأمجاد الشخصية، ونجح بامتياز في مناصبه السابقة، والمسؤولية الملقاة على عاتقه هذه المرة كبيرة ومهمة. بعيدا عن الضجيج المصاحب عادة لهذا النوع من البرامج، بهدوء شديد جدا تطلق السعودية أحد أهم مشاريعها التنموية والذي من المنتظر أن يقدم فرصا كبيرة للتوظيف، وحين استكمال البنية التحتية المناسبة ستقدم الأرضية المناسبة لتوسيع القدرات الصناعية والإنتاجية لاقتصاد البلاد وزيادة قدرات النفط على التصدير وتقليل الاستهلاك المحلي المكلف له.

البرنامج النووي السعودي سلمي جدا ولكنه طموح للغاية، وإذا ما كتب له النجاح والتوفيق بإذن الله، فسيكون إجابة عملية وفعالة لاحتياج دقيق ومطلوب، فالطاقة اليوم بتكلفتها الاقتصادية هي أحد أهم عناصر التنافسية الاقتصادية للدول، وقد تكون السعودية بهذه الخطوة تؤهل نفسها للتقليل التام من الاعتماد على النفط والغاز كمصدر لطاقتها، وهي نقلة نوعية هائلة في التفكير.

[email protected]