هل أصبحت سيناء رهينة لدى جماعات الإرهاب؟

TT

عندما جلس حراس الحدود المصرية عند رفح لتناول طعام إفطار رمضان في السادس من أغسطس (آب) الماضي، باغتتهم مجموعة من المسلحين وقتلت 16 ضابطا وجنديا بدم بارد. وبعد أن استولى المهاجمون على مدرعتين للجيش المصري، حاولوا اقتحام الحدود الإسرائيلية من المعبر الحدودي. لكن القوات الإسرائيلية المتحفزة، سرعان ما واجهتهم بمروحياتها وقتلت أربعة منهم، ولاحقت الفارين الذين حاولوا الهرب إلى قطاع غزة عن طريق الأنفاق. غضبت مصر للجريمة البشعة التي تعرض لها جنودها، ودخلت القوات المصرية في اليوم التالي إلى سيناء في حشد ضخم، متسلحة بالدبابات والطائرات والمروحيات، للقبض على المجرمين وملاحقة الإرهابيين الذين باتوا يسيطرون على سيناء، وبسط سلطة الدولة على كامل أرض مصر. فما الذي حدث؟ لماذا لم يتم حتى الآن القبض على القتلة الذين دبروا اغتيال الجنود المصريين؟ ولماذا توقف الجيش عن تطهير سيناء وتركها رهينة في يد الإرهابيين؟

عندما دخلت القوات العسكرية إلى سيناء في 7 أغسطس (آب)، بدأت بمطاردة الإرهابيين وتدمير الأنفاق بين مصر وغزة، وقيل إن العملية لن تستغرق وقتا طويلا. وبعد خمسة أيام أقال الرئيس مرسي المشير طنطاوي - قائد الجيش - وقام بتغيير باقي القادة العسكريين، مؤكدا أن عملية سيناء سوف تستمر تحت قيادته الشخصية. ومنذ ذلك الحين تغيرت خطة المعركة في سيناء، فلم تعد قوات الجيش تطارد البؤر الإرهابية وسط الجبال، بل لجأت الحكومة إلى التفاوض مع «الجماعات الجهادية» بدلا من المواجهة العسكرية. وبحسب ما نشرته جريدة «اليوم السابع» المصرية فقد «توقفت تحركات القوات المسلحة في مناطق سيناء... تزامنا مع مباحثات وفود رئاسة الجمهورية والسلفيين والعلماء مع (الجماعات الجهادية) بسيناء، بعد لقاء سري تم في مسجد النور بقرية المقاطعة جنوب الشيخ زويد ورفح. في الوقت نفسه ترددت أنباء عن حصول وفد الرئاسة على قائمة بأسماء منفذي الهجوم على الجنود في رفح... المفاجأة – بحسب المصدر الأمني – أن بعض المتورطين في الهجوم على الجنود المصريين في رفح، هم من العناصر الجهادية الذين أفرج عنهم في عفو رئاسي من الرئيس مرسي.. توجهوا إلى سيناء مباشرة عقب الإفراج عنهم، وانضموا لزملائهم من العناصر التكفيرية في شمال سيناء، وشاركوا في تنفيذ العملية» («اليوم السابع» 28-8-2012).

كان الرئيس مرسي قد أصدر عفوا رئاسيا في نهاية يوليو (تموز) عن 572 من الإسلاميين المتهمين في «جرائم إرهابية»، كان بعضهم محكوما عليه بالسجن المؤبد أو الإعدام، من بينهم 25 من الجماعة الإسلامية والجهاد. وطالبت جماعة أنصار بيت المقدس المقيمة في سيناء عدم تسليم الإرهابيين الذين شاركوا في العملية – الذين تعتبرهم مجاهدين – إلى السلطات المصرية. كما أصدرت الجماعة بيانا بالعمليات التي نفذتها ضد إسرائيل من داخل سيناء، وهددت بقتل كل من «يتعرض لطريقنا الجهادية»، متعهدة بتحرير «أرضنا (في فلسطين) ومقدساتنا من اليهود» والاستمرار في تنفيذ عمليات نوعية ضدها من سيناء.

وفي ذات الوقت توقفت عمليات تدمير الأنفاق بعد أن اشتكت حماس للحكومة المصرية من أن تدميرها سيؤثر سلبا على اقتصاد غزة. وأكد العقيد أركان حرب أحمد علي – المتحدث الرسمي للقوات المسلحة – أن عدد الأنفاق التي تم تدميرها حتى الآن بلغ 135 وأن الامتناع عن تدمير الأنفاق استجابة لمطلب حماس، هو «أمر يخص القيادة السياسية للدولة». لهذا قام حمدي الفخراني – عضو مجلس الشعب السابق – برفع دعوى أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة لمطالبة الرئيس مرسي بهدم جميع الأنفاق التي تم حفرها بين غزة وسيناء، والتي قدر عددها بنحو 1200، وقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى إلى 30 أكتوبر (تشرين الأول). وقال الفخراني في دعواه إن هذه الأنفاق يتم استغلالها في تهريب السولار والبنزين المدعم من الحكومة المصرية إلى حماس في غزة، كما تستخدم في تهريب الأسلحة والمخدرات إلى مصر، مما يهدد الأمن القومي.

فمنذ انهيار نظام حسني مبارك يبدو أن سلطات الأمن المصرية فقدت سيطرتها على الوضع في شمال شبه جزيرة سيناء، التي أصبحت معقلا للجماعات الإرهابية، التي تسيطر على ما يجري هناك. وعلى الرغم من تفجير أنابيب الغاز التي تربط مصر بكل من الأردن وإسرائيل 15 مرة، فإنه لم تتمكن السلطات المصرية من القبض على أي من المنفذين حتى الآن. وعلى الرغم من أن عدد «الجهاديين» الموجودين في سيناء لا يزيد الآن على نحو ألفي مسلح، فإنه يبدو أنهم صاروا واثقين من سيطرتهم على الأمور في شبه الجزيرة المصرية. وفي تصريح له لـ«العربية نت»، أعلن محمد الظواهري – شقيق زعيم تنظيم القاعدة – الذي أفرج عنه الرئيس مرسي في مارس (آذار) الماضي، أنه مستعد للتدخل لوقف «العمليات الجهادية» في سيناء، إذا ما طلبت منه الدولة ذلك، وأعطته الضمانات التي على أساسها تتم التسوية. وتحدث الظواهري بلهجة الواثق من قدرته: «لدينا استعداد للتواصل مع الغرب بشأن الجماعات التي يخشاها والتواصل مع الحكومة الحالية».. فهل يمكن للدولة المصرية أن تسمح لبعض الجماعات المسلحة بأن تفرض شروطها على السلطة الحاكمة في القاهرة، وتتركها تستخدم سيناء رهينة لتحقيق أهدافها؟!